للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد بحثت عن تفسير لهما ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل حتى وقفت على مخطوطة لشيخ الإسلام الإمام / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. فسر بها السورتين، تبين لي أنها تلخيص من الشيخ لتفسير ابن القيم رحمه الله تعالى لهما فما زادني هذا إلا حرصا عليها فحسبك بابن القيم علما ومعرفة في موضوع هاتين السورتين خاصة وفي العلوم الشرعية عامة.

وحسبك بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى قدرة على التقاط درر الكلام وجواهره.

أما موضوع سورة (الناس) وهو (الوسواس) فقد يستهين به بعض الناس ويحسبونه أمرا هينا، وقد يقول أحدهم ليس الخوف من الوسواس والوسوسة وإنما الخوف من تخلي بعض الشباب عن التمسك والإلزام بالدين، وغاب عن أذهان هؤلاء - ولم يجهلوا - أن أول معصية من البشر كانت عن طريق الوسوسة، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} (١)، وقال سبحانه: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} (٢).

وقد رد ابن القيم رحمه الله تعالى على أولئك الذين يرون أن الوسواس خير من التفريط في الدين فقال: " وأما قولكم: إن الوسواس خير مما عليه أهل التفريط والاسترسال وتمشية الأمر كيف اتفق، إلى آخره ".

فلعمر الله إنهما لطرفا إفراط وتفريط، وغلو وتقصير، وزيادة ونقصان وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الأمرين في غير موضع. . فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه. وخير الناس النمط الأوسط، الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطا (٣).


(١) سورة طه الآية ١٢٠
(٢) سورة الأعراف الآية ٢٠
(٣) إغاثة اللهفان: ابن القيم ج: ١ ص: ٢٠١.