للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والانخناس: تأخر ورجوع (١) معه اختفاء، قال قتادة: الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب (٢) في صدر الإنسان، فإذا ذكر العبد ربه خنس.

ويقال: رأسه كرأس الحية، وهو واضع رأسه على ثمرة (٣) القلب يمنيه ويحدثه، فإذا ذكر الله خنس، وإذا لم يذكره عاد ووضع رأسه يوسوس إليه. وجيء بلفظ (الفعال) دون (الفاعل) (٤) إعلاما بشدة (٥) هروبه ورجوعه وعظم نفوره عند ذكر الله وأن ذلك دأبه. فذكر الله يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه، ولهذا كان شيطان المؤمن هزيلا (٦) لأنه يعذبه بذكر الله وطاعته وفي أثر عن بعض السلف، أن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره في السفر، لأنه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر والتوجه والاستغفار والطاعة، فشيطانه معه في عذاب شديد.

وأما شيطان الفاجر فهو معه في راحة ودعة، ولهذا يكون قويا عاتيا شديدا فمن لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله وتوحيده واستغفاره وطاعته عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار، فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانه أو يعذبه شيطانه.


(١) ولا رجوع ولا اختفاء إلا بعد تقدم وظهور فالانخناس اختفاء بعد ظهور فهو يجمع أمرين الاختفاء والرجوع.
(٢) الخرطوم وهو الأنف. انظر لسان العرب لابن منظور ج: ١٢ ص ١٧٣.
(٣) تطلق الثمرة ويراد بها طرف الشيء، ومنه حديث ابن عباس أنه أخذ بثمرة لسانه أي بطرفه.
(٤) أي بلفظ (الخناس) دون الخانس. .
(٥) لو قال: (إعلاما بتكرار هروبه ورجوعه كلما ذكر الله ودأبه على ذلك) لكان أظهر كما سيأتي بيانه.
(٦) قال ابن مسعود رضي الله عنه: (شيطان المؤمن مهزول) انظر إحياء علوم الدين: الغزالي ج: ٣ ص: ٣١.