للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم ينسد الباب أمامه حتى يحتاج إلى المخرج الذي أشارت إليه الآية الكريمة {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (١)، وهو الرجعة حسبما تأوله ابن عباس - رضي الله عنه - حين قال للسائل الذي سأله وقد طلق ثلاثا. أن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (٢) وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك، وبانت منك امرأتك.

ولا خلاف في أن من لم يطلق للعدة بأن طلق ثلاثا مثلا فقد ظلم نفسه، فعلى القول بأنه إذا طلق ثلاثا فلا يقع من طلاقه إلا واحدة، فما هي التقوى التي بالتزامها يكون المخرج واليسر، وما هي عقوبة هذا الظالم نفسه المتعدي لحدود الله حيث طلق بغير العدة، فلقد جعل الشارع على من قال قولا منكرا لا يترتب عليه مقتضى، قوله المنكر عقوبة له على ذلك كعقوبة المظاهر من امرأته بكفارة الظهار، فظهر - والله أعلم - أن الله تعالى عاقب من طلق ثلاثا بإنقاذها عليه وسد المخرج أمامه، حيث لم يتق الله، فظلم نفسه وتعدى حدود الله.

ثانيا: ما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا؛ فتزوجت فطلقت، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أتحل للأول؟ قال: " لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (٣)»، فقد ذكره البخاري - رحمه الله - تحت ترجمة " باب من أجاز الطلاق ثلاثا "، واعترض على الاستدلال به بأنه مختصر من قصة رفاعة بنت وهب التي جاء في بعض رواياتها عند مسلم أنها طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، ورد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - الاعتراض بأنه غير رفاعة قد وقع له مع امرأته نظير ما وقع لرفاعة فلا مانع من التعدد. فإن كلا من رفاعة القرظي ورفاعة النضري وقع له مع زوجة له طلاق فتزوج كلا منهما عبد الرحمن بن الزبير فطلقها قبل أن يمسها ثم قال: وبهذا يتبين خطأ من وحد بينهما ظنا منه أن رفاعة بن سموأل هو رفاعة بن وهب. أهـ.

وعند مقابلة هذا الحديث بحديث ابن عباس الذي رواه عنه طاوس «كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة (٤)» إلخ، فإن الحال لا تخلو من أمرين: إما أن يكون معنى الثلاث في حديث عائشة وحديث طاوس أنها مجتمعة أو متفرقة، فإن كانت مجتمعة فحديث عائشة متفق عليه، فهو أولى بالتقديم، وفيه التصريح بأن تلك الثلاث تحرمها ولا تحل إلا بعد زوج، وإن كانت متفرقة فلا حجة في حديث طاوس على محل النزاع في وقوع الثلاث بلفظ واحد واحدة. وأما اعتبار الثلاث في حديث عائشة مفرقة وفي حديث طاوس مجتمعة فلا وجه له ولا دليل عليه.


(١) سورة الطلاق الآية ٢
(٢) سورة الطلاق الآية ٢
(٣) صحيح البخاري الطلاق (٥٢٦١)، صحيح مسلم النكاح (١٤٣٣).
(٤) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢).