للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونزل المثنى بذي قار، ونزل الناس بالجل (١) وشراف إلى غضى (٢)، وغضى حيال البصرة، فكان جرير بغضى. فكانوا في أمواه الطف من أولها إلى آخرها مسالح بعضهم ينظر إلى بعض، ويغيث بعضهم بعضا إن كان قتال، وذلك في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة الهجرية (٣).

وكان المثنى قد كتب إلى عمر يمحل (٤) بجرير، فكتب عمر إلى المثنى: " إني لم أكن لأستعملك على رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعني جريرا "، وقد وجه عمر سعد بن أبي وقاص (٥) إلى العراق في ستة آلاف أمره عليهم، وكتب إلى المثنى وجرير أن يجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص، وأمر سعدا عليهما فسار سعد حتى نزل شراف (٦)، وسار المثنى وجرير حتى نزلا عليه، فشتا بها سعد، واجتمع إليه الناس، ومات المثنى بن حارثة رحمه الله (٧).

ولم يكن الخلاف بين الرجلين لنوازع شخصية، فانتهى الخلاف بينهما بموت المثنى وتأمير سعد بن أبي وقاص عليهما، وكثيرا ما تحدث مثل هذه الخلافات في أيام القتال بين القادة، لظروف الحرب الصعبة أولا ولاختلاف الاجتهادات في معالجة مشاكل القتال ثانيا.

لقد كان جرير أحد قادة المثنى المقربين إليه، وقد أعانه وعاونه في تحمل أعباء قيادته، وكان التعاون بين القائدين اللامعين وثيقا والاختلاف في الرأي من أجل المصلحة العامة، ليس كالاختلاف في الرأي من أجل المصلحة الخاصة، وما اختلاف القائدين إلا اختلاف في الاجتهاد.


(١) الجل: موضع قريب من السلمان بالبادية، انظر معجم البلدان (٣/ ١٢٨).
(٢) غضى: جبال البصرة، انظر معجم البلدان (٦/ ٢٩٧).
(٣) الطبري (٣/ ٤٧٨).
(٤) يمحل به: أي يعرض.
(٥) انظر سيرته المفصلة في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة (٢٤٨).
(٦) شراف: ماء بنجد له ذكر كثير في آثار الصحابة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (٥/ ٢٤٦ - ٢٤٧).
(٧) الطبري (٣/ ٤٧٢).