للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زوجها ما أعطته، أنه لم يأخذ ذلك عن عضل منهي عنه، بل هو أخذ ما أخذ منها عن عضل له مباح، وإذا كان ذلك كذلك، كان بينا أنه داخل في استثناء الله تبارك وتعالى الذي استثناه من العاضلين بقوله: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (١). وإذا صح ذلك فبين فساد قول من قال: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٢). منسوخ بالحدود لأن الحد حق الله جل ثناؤه على من أتى بفاحشة التي هي الزنا، وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه، فحق لزوجها كما أن عضله إياها وتضييقه عليها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه، حق له. وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر.

قال أبو جعفر: فمعنى الآية: لا يحل لكم، أيها الذين آمنوا أن تعضلوا نسائكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم إلا أن يأتين بفاحشة من زنا أو بذاء عليكم، وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم - مبينة ظاهرة، فيحل لكم حينئذ عضلهن والتضييق عليهن، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به. اهـ (٣).

وذكر أبو بكر الجصاص (٤) وأبو بكر بن العربي (٥) والقرطبي (٦). نحوا مما ذكره ابن جرير في الموضوع.

وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (٧). قال ابن جرير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية: وإن أردتم أيها المؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها وآتيتم إحداهن قنطارا يقول: وقد أعطيتم التي تريدون طلاقها من المهر قنطارا. . {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (٨) يقول فلا تضروا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتتوهن. . أتأخذون ما آتيتموهم من مهورهن بهتانا يقول ظلما بغير حق وإثما مبينا يعني وإنما قد أبان أمر أخذه أنه يأخذه إياه لمن أخذه منه ظالم. . وكيف تأخذونه وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن إذا أرتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجا {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} (٩) فتباشرتم وتلامستم وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فإنه في معنى النكير والتغليظ كما يقول الرجل لآخر: كيف تفعل كذا وكذا وأنا غير راض به؟ على معنى التهديد والوعيد. ثم قال بعد ذلك - واختلف في حكم هذه الآية أمحكم أم منسوخ؟


(١) سورة النساء الآية ١٩
(٢) سورة النساء الآية ١٩
(٣) تفسير ابن جرير الطبري جـ ٨ ص ١١٠ وما بعدها.
(٤) أحكام القرآن للجصاص جـ١ ص ١٠٩ - ١١١.
(٥) أحكام القرآن لابن العربي ج١ ص ١٥١ - ١٥٤.
(٦) أحكام القرآن جـ ٥ ص ٩٩ - ١٠١.
(٧) سورة النساء الآية ٢٠
(٨) سورة النساء الآية ٢٠
(٩) سورة النساء الآية ٢١