للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التأويل الرابع: أنه أقام بها ثلاثا. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا (١)» فسماه مقيما والمقيم غير مسافر ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر. وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشرا يقصر الصلاة، وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة.

التأويل الخامس: أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة. فلهذا أتم، ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة.

وهذا التأويل أيضا مما لا يقوى، فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكه ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما رخص فيها ثلاثا وذلك لأنهم تركوها لله وما ترك لله فإنه لا يعاد فيه ولا يسترجع. ولهذا «منع النبي صلى الله عليه وسلم من شراء المتصدق لصدقته، وقال لعمر: لا تشترها ولا تعد في صدقتك (٢)» فجعله عائدا في صدقته مع أخذها بالثمن.

التأويل السادس: أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن أبي ذئاب عن أبيه قال: صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال: يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وعبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده أيضا.

وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم قال أبو البركات ابن تيمية: ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله


(١) صحيح البخاري المناقب (٣٩٣٣)، صحيح مسلم الحج (١٣٥٢)، سنن الترمذي الحج (٩٤٩)، سنن النسائي تقصير الصلاة في السفر (١٤٥٥)، سنن أبو داود المناسك (٢٠٢٢)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٠٧٣)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٥٢)، سنن الدارمي الصلاة (١٥١١).
(٢) صحيح البخاري الزكاة (١٤٨٩)، صحيح مسلم الهبات (١٦٢١)، سنن النسائي الزكاة (٢٦١٧)، سنن أبو داود الزكاة (١٥٩٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٥)، موطأ مالك الزكاة (٦٢٥).