للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسلم ويعرف به فرقها ليميز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة فقد تكلم بغير علم وحكم في الفرق بغير بصيرة فظلم بذلك نفسه، وظلم الطوائف المنتسبة للإسلام، ومن رجع في تمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكة إلى بيانه صلى الله عليه وسلم عدل في حكمه وعرف أن جماعات الأمة درجات متفاوتة، فمنهم من هو أحرص على اتباع الشريعة والاستسلام لها وأبعد الناس عن الابتداع في الدين والتحريف في نصوصه، والزيادة فيه أو النقص منه فهؤلاء أسعد الناس بأن يكونوا من الفرقة الناجية، فعلماء الحديث وأئمة الفقه في الكتاب والسنة منهم من هو أهل للاجتهاد يحرص على الشريعة ويسلم لها إلا أنه قد يتأول بعض نصوصها تأويلا يخطئ فيه فيعذر في خطئه لكونه في موارد الاجتهاد.

ومنهم من ينكر بعض نصوص الشريعة، إما لكونه حديث عهد بالإسلام، وإما لأنه نشأ في أطراف البلاد الإسلامية فلم يبلغه ما أنكره، ومنهم من يرتكب معصية أو يبتدع بدعة لا يخرج بها عن حظيرة الإسلام، فهو مؤمن مطيع لله بما فيه من طاعة مسيء بما ارتكب من معصية وابتدع من البدع فكان في مشيئة الله إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (١) وقال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (٢) فهؤلاء وهؤلاء ليسوا بكفار بتأويلهم الخاطئ أو جحدهم ما جحدوا بل يعذرون ويدخلون في عداد الفرقة الناجية وإن كانوا دون الأولى.

ومنهم من جحد معلوما من الدين بالضرورة بعد ما تبين له واتبع هواه بغير هدى من الله أو تأول بعض نصوص الشريعة تأويلا بعيدا مخالفا في ذلك من سبقه من جماعة المسلمين، ولما بين لهم الحق وأقيمت عليهم الحجة بالمناظرات وغيرها لم يرجعوا فهؤلاء كفار مرتدون عن الإسلام وإن زعموا أنهم مسلمون وإن اجتهدوا في الدعوة إليه على عقيدتهم وطريقتهم، كجماعة


(١) سورة النساء الآية ٤٨
(٢) سورة التوبة الآية ١٠٢