للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا هجرها، فإن تركت النشوز وإلا ضربها ضربا غير مبرح ولا شائن، والأصل فيه قوله عز وجل {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} (١).

وإن كان بحرف الواو الموضوعة للجمع المطلق لكن المراد منه الجمع على سبيل الترتيب، والواو تحتمل فإن نفع الضرب وإلا رفع الأمر إلى القاضي ليوجه إليهما حكمين، حكما من أهله وحكما من أهلها كما قال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (٢) وسبيل هذا الأمر سبيل بالمعروف والنهي عن المنكر في حق سائر الناس، أن الأمر يبدأ بالموعظة على الرفق واللين دون التغليظ في القول، فإن قبلت وإلا غلظ القول به، فإن قبلت وإلا بسط يده فيه، وكذلك إذا ارتكبت محظورا سوى النشوز ليس فيه حد مقدر، فللزوج أن يؤدبها تعزيرا لأن للزوج أن يعزر زوجته كما للولي أن يعزر مملوكه. اهـ (٣).

وقال الشافعي وأشبه ما سمعت - والله أعلم - في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} (٤) أن لخوف النشوز دلائل، فإذا كانت {فَعِظُوهُنَّ} (٥) لأن العظة مباحة فإن لججن فأظهرن نشوزا بقول أو فعل {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (٦) فإن أقمن بذلك على ذلك فاضربوهن وذلك بين أنه لا يجوز هجرة في المضجع وهو منهي عنه ولا ضرب إلا بقول أو فعل أو هما. قال: ويحتمل في {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} (٧) إذا نشزن فأبن النشوز فكن عاصيات به أن تجمعوا عليهن العظة والهجرة والضرب.

قال: ولا يبلغ في الضرب حدا ولا يكون مبرحا ولا مدميا ويتوقى فيه الوجه قال: ويهجرها في المضجع، حتى ترجع عن النشوز ولا يجاوز بها في هجرة الكلام ثلاثا لأن الله عز وجل إنما أباح الهجرة في المضجع، والهجرة في المضجع تكون بغير هجرة الكلام، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجاوز بالهجرة في الكلام ثلاثا قال: ولا يجوز لأحد أن يضرب ولا يهجر مضجعا بغير بيان نشوزها.

قال: وأصل ما ذهبنا إليه من أن لا قسم للممتنعة من زوجها ولا نفقة ما كانت ممتنعة، لأن الله تبارك وتعالى أباح هجرة مضجعها وضربها في النشوز، والامتناع نشوز. قال: ومتى تركت النشوز لم تحل هجرتها ولا ضربها، وصارت على حقها كما كانت قبل النشوز. اهـ (٨).

وقال ابن قدامة بعد تعريف النشوز:

فمتى ظهرت منها أمارات النشوز مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها، ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة فإنه يعظها، فيخوفها الله سبحانه ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق والطاعة، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة


(١) سورة النساء الآية ٣٤
(٢) سورة النساء الآية ٣٥
(٣) بدائع الصنائع جـ / ٢ ص ٣٣٤.
(٤) سورة النساء الآية ٣٤
(٥) سورة النساء الآية ٣٤
(٦) سورة النساء الآية ٣٤
(٧) سورة النساء الآية ٣٤
(٨) الأم جـ ٥ ص ١٩٤ الطبعة الأولى.