للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسنذكر حكمها في مواضعها إن شاء الله تعالى، وذكر تعالى إباحة أخذ المهر في غير هذه الآية إلا أنه لم يذكر حال الخلع في قوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (١) وقال تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (٢) وهذه الآيات كلها مستعملة على مقتضى أحكامها.

فقلنا: إذا كان النشوز من قبله لم يحل له أخذ شيء منها لقوله تعالى: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (٣) وقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (٤) وإذا كان النشوز من قبلها أو خافا لسوء خلقها أو بغض كل واحد منهما لصاحبه أن لا يقيما. جاز له أن يأخذ ما أعطاها لا يزداد، وكذلك {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (٥) وقد قيل فيه: إلا أن تنشز فيجوز له عند ذلك أخذ ما أعطاها.

وأما قوله تعالى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (٦) فهذا في غير حال الخلع بل في حال الرضا بترك المهر بطيبة من نفسها به، وقول من قال: إنه لما جاز أخذ مالها بغير خلع فهو جائز في الخلع خطأ، لأن الله تعالى قد نص على الموضعين، في أحدهما بالحظر وهو قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} (٧) وقوله تعالى {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (٨) وفي الآخر بالإباحة وهو قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (٩) فقول القائل: لما جاز أن يأخذ مالها بطيبة من نفسها من غير خلع جاز في الخلع قول مخالف لنص الكتاب وقد روى عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - في الخلع ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن حبيبة بنت سهل الأنصارية، «أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن الشماس وأن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من هذه؟ " قالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال " ما شأنك؟ " قالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها. فلما جاءه ثابت بن قيس قال له: " هذه حبيبة بنت سهل فذكرت ما شاء الله أن تذكره " فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لثابت " خذ منها " فأخذ منها وجلست في أهلها (١٠)».


(١) سورة النساء الآية ٤
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٧
(٣) سورة النساء الآية ٢٠
(٤) سورة النساء الآية ١٩
(٥) سورة النساء الآية ١٩
(٦) سورة النساء الآية ٤
(٧) سورة النساء الآية ٢٠
(٨) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٩) سورة النساء الآية ٤
(١٠) سنن النسائي الطلاق (٣٤٦٢)، سنن أبو داود كتاب الطلاق (٢٢٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٤٣٤)، موطأ مالك كتاب الطلاق (١١٩٨)، سنن الدارمي الطلاق (٢٢٧١).