للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بكفايتها أو يحملها فوق طاقتها فقد روي في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (١) الآية قيل: يؤتى بهم. الناس وقوف يوم القيامة فيقضى بينهم حتى أنه ليؤخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة ثم يقال لهم كونوا ترابا فهنالك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وهذا من الدليل على القضاء بين البهائم، بينها وبين بني آدم حتى أن الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوعها أو عطشها أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بقدر ما ظلمها أو جوعها والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (٢)» أي من حشراتها.

وفي الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وهي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع». وهذا عام في سائر الحيوان وكذلك إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث (٣)» فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له، فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه.

قال أبو سليمان الداراني: ركبت مرة حمارا فضربته مرتين أو ثلاثا فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أبا سليمان هو القصاص يوم القيامة فإن شئت فأقلل وإن شئت فأكثر قال: فقلت: لا أضرب شيئا بعده أبدا، «ومر ابن عمر بصبيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (٤)»، والغرض كالهدف وما يرمى إليه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم يعني


(١) سورة الأنعام الآية ٣٨
(٢) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٨٢)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٢٤٢)، سنن الدارمي الرقاق (٢٨١٤).
(٣) صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (٣٤٧١)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٣٨٨)، سنن الترمذي المناقب (٣٦٩٥)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٤٦).
(٤) صحيح البخاري الذبائح والصيد (٥٥١٤)، صحيح مسلم الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (١٩٥٨)، سنن النسائي الضحايا (٤٤٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٤١)، سنن الدارمي الأضاحي (١٩٧٣).