للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الحكم التشريعية، وعدم الوقوف بدراسة المشكلات الفقهية الإسلامية عند حد الدراسات التحليلية والتجميعية، بل يجب رد معظم هذه المفاهيم إلى أصول فكرية، ومبادئ أساسية، تسهل انتشار حركة فقهية معاصرة، تتجاوز الأساليب التقليدية التي نعيشها، دون أن تؤثر في السلامة المطلقة والمستمرة لجوهرها، ولجوهر التشريع الإسلامي الذي يشف عنها، وحكمته الجلية فيها.

إن الدراسات التي تقارن فيها حكمة التشريع الإسلامي وفلسفته بفلسفة القوانين أو الأنظمة الوضعية لإظهار محاسن الشريعة جد متواضعة، ومظنة أن الشريعة لا تنطوي على تقسيمات معاصرة كتلك التي توجد في القوانين الوضعية اللاتينية والجرمانية والانجلوسكسونية خطأ؛ فهذه الفكرة المسبقة تنطوي على مصادرة على المطلوب، إن اختلاف الصياغة وارد، واختلاف الحلول وارد أيضا، بل مفروض، لأن حكمة أو فلسفة التشريع الإسلامي الذي يقوم على مبدأ السمو المطلق للتشريع الإسلامي سموا ناشئا عن سمو مصدره، لا يمكن ولا يجب أن تكون صورة أخرى لفلسفة قوانين وضعية قاصرة في مصدرها، وتصورها، ووسائلها، وغاياتها.

ولم يدرك كاتب علماني آخر هذه الحقيقة (١) عندما هاجم التشريع الإسلامي بكلام منمق، لا حكمة فيه، ولا رغبة منه سوى الهدم، إذ يقول " إن الشريعة حق. . . . ولكن من يطبق الشريعة؟. . . إنهم البشر وأهواء البشر. . . "

إن هذا القول يجمع كل سموم المستشرقين في كلمة واحدة، كلها وهم وباطل وضلال، وأبسط ما يقال له، ما دام البشر قد يخطئون في تطبيق شرع الله، وقد يخطئون في تطبيق القانون الوضعي، فلماذا نضيف إلى خطئهم المحتمل، خطأ تشريعهم المؤكد الذي هو من صنعهم، ولا نطبق شرع الله الذي لا


(١) د. محمد شتا أبو سعد مستقبل التشريع الإسلامي، ج ٢، رد على د. يوسف إدريس ١٩٨٦ م من ص ٣: ٦٢.