البئر نزح منها أربعون دلوا وهذا لبيان الإيجاب، والخمسون بطريق الاستحباب، ثم المعتبر في كل بئر دلوها الذي يستقى به منها، وقيل: دلو يسع فيها صاعا، ولو نزح منها بدلو عظيم مرة مقدار عشرين دلوا جاز لحصول المقصود، وإن ماتت فيها شاة أو كلب أو آدمي نزح جميع ما فيها من الماء؛ لأن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أفتيا بنزح الماء كله، حين مات زنجي في بئر زمزم، فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر؛ لانتشار البلة في أجزاء الماء.
وإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها: أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء، وطريقة معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر، ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ، أو ترسل فيها قصبة، ويجعل المبلغ الماء علامة، ثم ينزح منه عشر دلاء مثلا، ثم تعاد القصبة فينظر كم انتقص؟ فينزح لكل قدر منها عشر دلاء، وهذان عند أبي يوسف رحمه الله، وعند محمد رحمه الله نزح مائتي دلو إلى ثلاثمائة، فكأنه بنى قوله على ما شاهد في بلده، وعند أبي حنيفة رحمه الله في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء، ولم يقدر القلة بشيء كما هو دأبه، وقيل: يؤخذ بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء، وهذا تشبه بالفقه.