للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئا، بل زال تغيره بطلوع الشمس أو الريح أو مرور الزمان طهر أيضا على المذهب، وبه قطع الجمهور، وحكى المتولي عن أبي سعيد الإصطخري أنه لا يطهر؛ لأنه شيء نجس، فلا يطهر بنفسه، وهذا ليس بشيء؛ لأن سبب النجاسة التغير فإذا زال طهر لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس (١)»، وإن زال بأخذ بعضه طهر بلا خلاف بشرط أن يكون الباقي بعد الأخذ قلتين، فإن بقي دونهما لم يطهر بلا خلاف، ويتصور زوال تغيره بأخذ بعضه بأن يكون كثيرا لا يدخله الريح، فإذا نقص دخلته وقصرته وكذا الشمس فيطيب (٢).

وقال الشيرازي أيضا: وإن كان قلتين طهر بجميع ما ذكرناه إلا بأخذ بعضه، فإن لم يطهر لأنه نقص عن القلتين وفيه نجاسة.

وعلق النووي عليه فقال: هذا الذي قاله متفق عليه.

وقال الشيرازي أيضا: وإن كانت نجاسته بالقلة، بأن يكون دون القلتين طهر بأن يضاف إليه ماء حتى يبلغ قلتين ويطهر بالمكاثرة، وإن لم يبلغ قلتين طهر كالأرض النجسة طرح عليها ماء حتى غمر النجاسة، ومن أصحابنا من قال: لا يطهر؛ لأنه دون القلتين وفيه نجاسة، والأول أصح لأن الماء إنما ينجس بالنجاسة إذا وردت عليه، وهاهنا ورد الماء عليها فلم ينجس؛ إذ لو نجس لم يطهر الثوب إذا صب عليه الماء.

وعلق النووي على ذلك فقال: أما المسألة الأولى، وهي إذا كاثره فبلغ قلتين فيصير طاهرا مطهرا بلا خلاف، سواء كان الذي أورده عليه طاهرا أو نجسا، قليلا أو كثيرا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث (٣)»، وأما المسألة الثانية، وهي إذا كوثر بالماء ولم يبلغ قلتين فهل يطهر؟ فيه الوجهان اللذان ذكرهما المصنف، وذكر دليلهما، وهما مشهوران، لكن الأصح عند المصنف وسائر العراقيين أنه يطهر، وبه قطع منهم شيخهم أبو حامد وهو قول ابن سريج، والصحيح عند الخراسانيين لا يطهر، وبه قطع منهم القاضي حسين، وقال إمام الحرمين: وإن صح عند ابن سريج قوله بالطهارة، فهو من هفواته؛ إذ لا معنى لغسل الماء من غير أن يبلغ قلتين، قال: فلا يتمارى في فساده وكذا


(١) سنن الترمذي الطهارة (٦٧)، سنن النسائي الطهارة (٥٢)، سنن أبو داود الطهارة (٦٣)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٧)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١).
(٢) المجموع شرح المهذب ١/ ١٨٣ وما بعدها.
(٣) سنن الترمذي الطهارة (٦٧)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٥١٧)، سنن الدارمي الطهارة (٧٣١).