لا يمكن تصورها، وحتى إذا أمكن تصورها في حق المدين، فإنه لا يمكن تصورها في حق الدائن.
أما الصور الأخرى من الربا، الفائدة البسيطة للقرض وربا النسيئة وربا الفضل، فهذه أيضا محرمة، ولكن التحريم هنا تحريم للوسائل لا للمقاصد، وقد حرمت سدا للذرائع، ومن ثم يكون الأصل فيها التحريم، وتجوز استثناء، إذا قامت الحاجة إليها، والحاجة هنا معناها مصلحة راجحة، في صورة معينة من صور الربا، تفوت إذا بقي التحريم على أصله، عند ذلك يجوز هذه الصورة، استثناء من أصل التحريم، وتجوز بقدر الحاجة القائمة، فإذا ارتفعت الحاجة عاد التحريم، وفي نظام اقتصادي رأسمالي -كالنظام القائم في الوقت الحاضر في كثير من البلاد- تدعو الحاجة العامة الشاملة إلى حصول العامل على رأس المال اللازم حتى يستغله بعمله.
وقد أصبحت شركات المضاربة والقراض ونحوها غير كافية للحصول على رأس المال اللازم، حقا إن شركات المساهمة وشركات التوصية تسمح في كثير من الأحوال بأن يستثمر صاحب رأس المال ماله في شراء أسهم هذه الشركات، فيشترك في الربح والخسارة، ولكن القروض هي الوسيلة الأولى في النظام الاقتصادي الرأسمالي للحصول على رءوس الأموال، فما دامت الحاجة قائمة للحصول على رأس المال من طريق القرض، وما دام رأس المال ليس ملك الدولة، بل هو ملك الفرد فمن حقه أن يبغي عليه أجرا معتدلا، لا يظلم فيه ولا يظلم، ما دامت الحاجة قائمة إلى كل ذلك فإن فائدة رأس المال في الحدود المذكورة تكون جائزة، استثناء من أصل التحريم.
نقول في الحدود المذكورة، ونقصد بذلك أولا: أنه لا يجوز بحال -مهما كانت الحاجة قائمة- أن نتقاضى فوائد على متجمد الفوائد، ثانيا: وحتى بالنسبة للفائدة البسيطة، يجب أن يرسم لها المشرع حدودا لا تتعداها، وذلك حتى تقدر الحاجة بقدرها، وحتى بعد كل هذا فإن الحاجة إلى الفائدة لا تقوم إلا في نظام رأسمالي كالنظام القائم، فإذا تغير هذا النظام، عند ذلك يعاد النظر في تقدير الحاجة، فقد لا تقوم الحاجة، فيعود الربا إلى أصله من التحريم".