للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على صورة (إما أن تقضي أو تربي)، وذلك بدلالة النصوص، وبدلالة ما تقتضيه طبائع الأمور في بيئة تجارية، سبقت الإشارة إلى وصفها، والوهم الذي نشأ عن فهم ما ورد من أن قريشا أو العرب في الجاهلية كانوا يعرفون أو يمارسون فقط صورة (إما أن تقضي أو تربي)، بأن المقصود أنهم لا يعرفون غير هذه الصور، هذا الوهم أوجبه الغفلة عن النصوص الأخرى، وعن استيعاب الأسلوب العربي في التعبير؛ إذ ترد مثل هذه العبارة، ولا يقصد بها عين الصورة التي وردت بها، وإنما جنسها؛ فيقصد بالعبارة هنا جنس الصورة الشاملة لكل ربا النسيئة، أو على الأقل لربا النسيئة في الأثمان، وهذا ما فهمه الفقهاء الأقدمون، كما هو واضح من كلام ابن القيم في أعلام الموقعين مثلا.

ولو سلم بالافتراض الثاني جدلا فلا شك أن التحريم الوارد في القرآن في آيات البقرة شامل لربا جاهلية اليهود مثلا، بدليل آية النساء، ولم يقل أحد إن اليهود لم يكونوا يمارسون من الربا إلا صورة إما أن تقضي أو تربي.

والافتراض الثالث: أن صور الربا -عدا صورة إما أن تقضي أو تربي- محرم تحريم وسائل لا مقاصد غير صحيح؛ لأنه مجرد دعوى بدون دليل، والتفريق بين ما حرم تحريم مقاصد، وما حرم تحريم وسائل لا بد من ثبوته بالدليل، وابن القيم الذي أخذ منه السنهوري فكرة التفريق بين ما حرم تحريم وسائل، وما حرم تحريم مقاصد لم يصف ربا النسيئة بأنه محرم تحريم مقاصد، وربا الفضل بأنه محرم تحريم وسائل بمجرد الرأي، أو بناء على الاحتمال، وإنما بناء على الدليل المنصوص، وهو حديث أسامة: «إنما الربا في النسيئة (١)»، وحديث أبي سعيد: «فإني أخاف عليكم الرما (٢)»؛ أي الربا، حيث الحصر في الحديث الأول يدل على تميز ربا النسيئة بأنه ربا كامل حقيقي، وحيث إن النبي صلى الله عليه وسلم صرح في الحديث الثاني بعلة تحريم ربا الفضل، وهو خوف الوقوع في الربا الحقيقي.

بقي التنبيه على فارق فني دقيق بين افتراض محاولة الشيخ رشيد رضا أن ربا الجاهلية المحرم هو صورة إما أن تقضي أو تربي، وافتراض محاولة الأستاذ السنهوري أن ربا الجاهلية المحرم تحريم مقاصد هو الربح المركب، واقتضاء الفوائد على متجمد الفوائد.


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٦)، سنن النسائي كتاب البيوع (٤٥٨١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٥٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨٠).
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٩).