وقد وقع الأستاذ السنهوري في وهم غريب، عندما نقل عن ابن عباس وبعض الصحابة أنهم خالفوا الجمهور في عدم تحريم ربا النسيئة وربا الفضل، عدا الصورة المشهورة؛ إما أن تقضي أو تربي، وهي التي افترض أنها صورة الربا الوحيدة المعروفة في الجاهلية، والغرابة تأتي من أن في نقول الأستاذ نفسه ما ينفي هذا الوهم، (انظر مثلا ما نقله عن ابن رشد في مصادر الحق ج ٣ ص، ٢٤٨)، كما أن الثابت قطعا أن الخلاف الذي نسب إلى ابن عباس وبعض الصحابة إنما يتناول ربا الفضل، لا ربا النسيئة؛ لأن الخلاف مؤسس على ما يقتضيه الحصر في حديث أسامة: «إنما الربا في النسيئة (١)»، أما ربا النسيئة كله فلم ينقل أي خلاف في تحريمه، بل الأمة مجمعة على تحريمه، على أنا لا نطيل الحديث عن هذا الوهم؛ لأنه ليس أساسيا في محاولة الأستاذ السنهوري، وإن كان له أثر عليها.
بقي أن ينوه بأن محاولة الأستاذ السنهوري امتازت عن المحاولات الثلاث الأولى: بأنها نجت من الوقوع في الخطأ الجسيم وهو إباحة القروض بفائدة على الإطلاق، فقد اعترفت محاولة السنهوري بثبوت النصوص وصراحة دلالتها على تحريم كل صور الربا، بما فيها صورة القرض بفائدة، سواء كانت تأخيرية أو تعويضية، وسواء كانت بسيطة أم مركبة. وأن الأصل في كل صور الربا التحريم، وحينما حاولت الترخيص في القروض بفائدة في بعض صورها على سبيل الاستثناء حددت هذه الرخصة بنطاق الحاجة، وبقدر ما تقضي به، ونوهت أنه حينما تنتفي الحاجة ترجع الصورة المرخص فيها إلى أصل التحريم.
(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٩٦)، سنن النسائي كتاب البيوع (٤٥٨١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٥٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨٠).