للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك أن عزم أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقوته في الحق، وثباته على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - أعطى لجيش أسامة أثرا، بعد توفيق الله جل وعلا، حيث كانت من الآراء التي أشير بها على أبي بكر، بعدما وقع ردة من العرب، عدم تنفيذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم، فامتنع أبو بكر رضي الله عنه أشد الإباء، وأصر على أن ينفذ جيش أسامة، وقال: «والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين»، إلى آخر ما قال "، فكان خروج جيش أسامة في ذلك الوقت من أكبر المصالح، والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب، إلا أرعبوا منهم، وقالوا: " ما خرج هؤلاء من قوم، إلا وبهم منعة شديدة "، فقاموا أربعين يوما، ويقال سبعين يوما، ثم أتوا سالمين غانمين، ثم رجعوا، فجهزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال أهل الردة، ومانعي الزكاة (١).

ذلك أنهم بعدما لقوا الروم، وهزموهم وقتلوهم، ورجعوا سالمين، كان ذلك من أسباب ثبات بعض القبائل على الإسلام (٢).

وفي اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعث أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى الشام، وشدة اهتمام أبي بكر الصديق بذلك في أول خلافته، استفاض ابن عساكر في تاريخه في ذلك؛ فقد أخرج من طريق الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغير على أبنى، -بضم الهمزة والقصر-، اسم موضع في فلسطين بين عسقلان والرملة، يقال لها يبنى بالياء، صباحا وأن يحرق، ثم قال رسول الله لأسامة: امض على اسم الله، فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف، وضرب عسكره في موضع سقاية سليمان اليوم، وجعل الناس يأخذون بالخروج، فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين


(١) البداية والنهاية ٦: ٣٠٤.
(٢) البداية والنهاية ٦: ٣٠٥.