للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تبعا فلا يؤخذ بالشفعة كقماش الدار وعكسه البناء والغراس وتحقيقه أن الشفعة بيع في الحقيقة لكن الشارع جعل له سلطان الأخذ بغير رضا المشتري فإن بيع الشجر وفيه ثمرة غير ظاهرة كالطلع غير المؤبر دخل في الشفعة لأنها تتبع في البيع فأشبهت الغراس في الأرض، وأما ما بيع مفردا من الأرض فلا شفعة فيه سواء كان مما ينقل كالحيوان والثياب والسفن والحجارة والزرع والثمار أو لا ينقل كالبناء والغراس إذا بيع مفردا وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي. اهـ (١).

وذهب الحنفية إلى أن الثمرة في الأرض تابعة للأرض في استحقاق الشفعة استحسانا إذا شرطها المبتاع، وأما القياس فإن الشفيع لا يأخذها لأنها في حكم المنفصل أشبه المتاع في الدار قال في الهداية: ومن ابتاع أرضا وعلى نخلها ثمر أخذها الشفيع بثمرها، ومعناها إذا ذكر الثمر في البيع لأنه لا يدخل من غير ذكر وهذا الذي ذكره استحسان، وفي القياس لا يأخذه لأنه ليس يتبع، ألا يرى أنه لا يدخل في البيع من غير ذكر فأشبه المتاع في الدار، وجه الاستحسان أنه باعتبار الاتصال صار تبعا للعقار كالبناء في الدار وما كان مركبا فيه فيأخذه الشفيع. اه (٢). وأما ما كان منفصلا عن الأرض كأثاث الدار والعروض والسفن والحيوانات وغير ذلك من المنقولات فلا شفعة فيها لأن الشفعة إنما وجبت لدفع ضرر سوء الجوار على الدوام والملك في المنقول لا يدوم مثل دوامة في العقار فلا تلحق به (٣).

واختلفت الروايات عن الإمام مالك - رحمه الله - في الثمرة على الأرض هل تؤخذ بالشفعة أم لا؟ قال ابن رشد: فتحصيل مذهب مالك أنها في ثلاثة أنواع: أحدها مقصود وهو العقار من الدور والحوانيت والبساتين. . والثاني ما يعلق بالعقار مما هو ثابت لا ينقل ولا يحول كالبئر. . والثالث ما تعلق بهذه كالثمار وفيها عنه خلاف. اه (٤).

وقد ذكر ابن رشد: في مقدماته أن النخل يوم الابتياع لا تخلو من ثلاثة أوجه، الأول: ألا يكون فيها ثمرة أصلا أو يكون فيها ثمرة إلا أنها لم تؤبر، وهذه الحال لا خلاف في أن الشفيع يأخذ النخل بثمرته، الثاني أن يكون فيها يوم الابتياع ثمرة مؤبرة وقد ذكر الخلاف في استحقاق الثمرة تبعا للأصل فذكر أن قول المدنيين في المدونة وهو قول أشهب وأكثر الرواة أنه لا حق للشفيع في الثمرة إذا لم يدركها حتى أبرت وأصل الخلاف في ذلك هل الأخذ بالشفعة كالأخذ بالبيع أو أن الثمرة تصير غلة بالإبار، الثالث أن يكون في النخل يوم الابتياع ثمرة قد أزهت وهذا الوجه كالوجه الثاني فيه الخلاف بين أصحاب مالك وقد قال ابن القاسم في المدونة: أن الشفيع أحق بها ما لم تجد ويأخذها الشفيع بحكم الاستحقاق لا بحكم الشفعة (٥). .


(١) المغني ج٥ ص٢٥٨.
(٢) الهداية ج٤ ص٣٤.
(٣) فتح القدير لابن الهمام ج٧ ص٤٣٤.
(٤) بداية المجتهد ج٢ ص٢٥٤
(٥) مقدمات ابن رشد ج٢ ص٥٨٦ - ٥٨٩