يذكر أن عامة قراء الأمصار قرأوا (الريح) بالنصب، على أنها مفعول لسخرنا المحذوف، وأن عبد الرحمن الأعرج قرأ (الريح) بالرفع، على أنها مبتدأ، ثم يقول: والقراءة التي لا أستجيز القراءة بغيرها، في ذلك، ما عليه قراء الأمصار؛ لإجماع الحجة من القراء عليه. ولقد رجع السبب في عناية ابن جرير بالقراءات وتوجيهها، إلى أنه كان من علماء القراءات المشهورين، حتى إنهم ليقولون عنه: إنه ألف فيها مؤلفا خاصا في ثمانية عشر مجلدا، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشواذ، وعلل ذلك وشرحه، وإذا اختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور، وإن كان هذا الكتاب فقد وضاع، بمرور الزمن، ولم يصل إلى أيدينا، شأن الكثير من مؤلفاته (١).
فوصف الطبري لنفسه ومنهجه، وارتضاء شيخنا الذهبي لموقفه، دون تعليق، ورط كثيرا من الأوساط العلمية، وبقيت هذه النظرية أو النظرة عن الطبري كذلك، ولم يتناوله أحد بالتعليق. وكما ساهم أستاذي في حيرتي، ساهم كذلك تلميذي الذي أشرفت عليه في رسالة الماجستير (القراءات القرآنية). وقد ذهب الطالب إلى اعتبار ابن جرير من المرجحين، ونوقشت الرسالة من اللجنة العلمية المختصة في علم القراءات، وأقرت هذه المعلومة، بأن ابن جرير من المرجحين. ولكن هذه الحيرة والهيبة بدأت تتبدد، وبدأت غيومها تنقشع، وبدأت الرؤية تتضح شيئا فشيئا؛ لأمور منها:
١ - دفعني الشك في موقف الطبري إلى مواصلة البحث، فأشرت إلى طلبتي باستقصاء كتاب الطبري في التفسير، فوجدت أن الصورة الحقيقية لموقفه هي الطعن، وليس الترجيح كما ذهب إليه صاحب الرسالة في القراءات.
٢ - كتابة أحد الباحثين وإصداره كتابا كاملا، بعنوان (دفاع عن القراءات في مواجهة الطبري المفسر)، فازداد بذلك موقفي صلابة، لوجود من يرى أن الطبري طاعن.
٣ - وثالثة الأثافي كانت في العثور على مخطوطة في علم القراءات للإمام