للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد وفى الشاطبي ما أراد بنظمه هذا، بل وزاد فوائد على ما في التيسير، مما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، غير أن الناظر في أبيات هذه القصيدة يقف مشدودا أمام تلك المعاني التي تضمنتها ألفاظها؛ فيرى فيها كل محسن لفظي ومعنوي، ويرى فيها الغزل، ويرى فيها نحوا وصرفا وغير ذلك.

أهلت فلبتها المعاني لبابها ... وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا (١)

وسأقوم بعون الله وتوفيقه باستخلاص وجمع بعض المعاني التي أشار إليها شراح الشاطبية وغيرهم، متمثلا في ذلك قول القائل: ما لا يدرك كله لا يترك جله.

قال الشاطبي في وصفه للقراء السبعة ورواتهم:

فمنهم بدور سبعة قد توسطت ... سماء العلا والعدل زهرا وكملا

لها شهب عنها استنارت فنورت ... سواد الدجى حتى تفرق وانجلى (٢)

قال الموصلي في شرحه على الشاطبية: " البدر والقمر المنير في الليلة الرابعة عشرة، وتوسط السماء بلغ وسطها، والعدل ضد الجور، والمراد هنا الاعتدال والاستقامة، زهرا: جمع أزهر أفعل التفضيل، أو زاهر كأسود وسود وبازل وبزل، بمعنى المضيء المشرق، وكملا جمع كامل للتمام، والشهب جمع شهاب اسم للكوكب المضيء لاستنارة الإضاءة.

نورت: أضاءت غيرها، الدجى جمع دجية، وهي الظلمة، انجلى: انكشف (٣)، قال الجعبري في شرحه على الشاطبية: جمع البدر باعتباره محله، ووصفه بالكمال باعتباره القمر، وهو قريب من قول أبي العلاء:

توقى البدور النقص وهي أهل ... ويدركها النقصان وهي كوامل

وعدل عن الشموس؛ لأن القمر أشرف، باعتبار معناه، ولذلك قيل القمران، أشياخ أشبهوا البدور الكوامل لتمام علومهم، وعلو رتبتهم واشتهار


(١) حرز الأماني للشاطبي: ٦.
(٢) حرز الأماني للشاطبي: ٢.
(٣) شرح شعلة على الشاطبية محمد بن أحمد الموصلي: ١٨.