للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الذي له الشفعة رجلان: حاضر أو غائب، فأما الغائب فأجمع العلماء على أن الغائب على شفعته ما لم يعلم ببيع شريكه، واختلفوا إذا علم وهو غائب، فقال قوم: تسقط شفعته، وقال قوم: لا تسقط وهو مذهب مالك والحجة له ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر أنه قال: «الجار أحق بصقبه أو قال: بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا (١)» وأيضا فإن الغائب في الأكثر معوق عن الأخذ بالشفعة فوجب عذره. وعمدة الفريق الثاني أن سكوته مع العلم قرينة تدل على رضاه بإسقاطها. أهـ (٢).

وفي المدونة: قلت أرأيت الغائب إذا علم بالشراء وهو شفيع ولم يقدم يطلب الشفعة حتى متى تكون له الشفعة؟ قال قال مالك: لا تقطع عن الغائب الشفعة بغيبته. قلت علم أو لم يعلم؟ قال: ليس ذلك عندي إلا فيما علم وأما فيما لم يعلم فليس فيه كلام ولو كان حاضرا. أهـ (٣).

وقال ابن قدامة - رحمه الله - على قول الخرقي: ومن كان غائبا وعلم بالبيع وقت قدومه فله الشفعة وإن طالت غيبته. ما نصه:

وجملة ذلك أن الغائب له شفعة في قول أكثر أهل العلم. وذكر توجيه القول بذلك فقال: ولنا عموم قوله عليه السلام: «الشفعة فيما لم يقسم (٤)» سائر الأحاديث ولأن الشفعة حق مالي وجد سببه بالنسبة إلى الغائب فتثبت له كالإرث ولأنه الشريك لم يعلم بالبيع فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر إذا كتم عنه البيع والغائب غيبة قريبة. أهـ (٥).

وذهب بعض أهل العلم إلى القول بمنع الغائب من الشفعة لما فيه من الإضرار بالمشتري بامتناعه عن التصرف في ملكه حسب اختياره خشية انتزاعه منه، وهذا القول مروي عن النخعي والحارث العكلي والبتي.

ورد ابن قدامة القول بتضرر المشتري بأن ضرره يندفع بإيجاب القيمة له.

وقد يرد على ذلك بأن غيبته ما دامت غير محددة بحيث تصل إلى عشر سنين أو أكثر فإن تضرر المشتري ببقاء مشتراه معلقا حتى يحضر فيقرر رغبته في الشفعة من عدمها لا يقابل برد القيمة إليه لما في ذلك من تعطل هذه القيمة عن الإدارة، فضلا عما في ذلك من تعطيل هذا العقار عن التعمير لتكون منفعته العامة والخاصة أكثر.


(١) سنن الترمذي الأحكام (١٣٦٩)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٨)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٠٣)، سنن الدارمي البيوع (٢٦٢٧).
(٢) بداية المجتهد جـ ٢ ص ٢٥٩.
(٣) المدونة جـ ٥ ص ٤١٨.
(٤) سنن النسائي البيوع (٤٧٠٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٥١٤)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٤٩٩)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٩٦)، موطأ مالك الشفعة (١٤٢٠).
(٥) المغني جـ ٥ ص ٢٧٤.