للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن المسلمين شعروا بعد قليل بالهدف الحقيقي من وراء فكرة الجامعة الإسلامية. وهو أن السلطان عبد الحميد قد اتخذ من مشروعه هذا وسيلة لتحقيق أغراض سياسية ومصلحة ذاتية. فلم يكن أمر الجامعة هذه إلا لتأكيد ملك السلطان وتثبيت عرشه وحكمه المطلق. . ولوقف نشاط الدعوات الإصلاحية الحقيقية التي قامت داخل الإمبراطورية العثمانية. وأن السلطان استغل الوازع الديني في نفوس المسلمين ليفرض سيطرته عليهم، ويعيد تشديد قبضة الأتراك على بلادهم (١).

وكان الفرق ظاهرا بين فكرة " الجامعة الإسلامية " والدعوة التي خاصمتها وهي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فحركة الجامعة الإسلامية تفرق بين المسلمين عنصريا ليسود عنصر على عنصر، ودعوة الشيخ الإصلاحية تدعو إلى خلق وعي إسلامي حقيقي في المجتمعات الإسلامية لتنهض من كبوتها، ولتطهر الدين من البدع (٢).

حتى الكتاب والدعاة الذين سخرهم السلطان عبد الحميد لمهاجمة دعوة الشيخ. . هؤلاء ما لبث أن كشف بعضهم الآخر. . وأوضح زيف ما يزعمه الآخرون بخصوص هذه الدعوة الإصلاحية. من ذلك ما كتبه المؤرخ التركي أحمد جودت؛ وهو من خصوم دعوة الشيخ؛ كتب معلقا على كتابات من زاملوه في الحملة على الشيخ ودعوته يقول:

(إن الرد على الوهابيين يستوجب من الذين يتصدون لهم ثقافة واسعة ومعرفة بأحوال البلاد العربية، الدينية والسياسية والاجتماعية، ووقوفا على علوم الدين، واطلاعا واسعا على الحركات الفلسفية، ومقدرة على الجدل والإقناع، وأسلوبا بارعا في الكتابة. وكل أولئك مفقود عند العلماء الذين قاموا يردون على الوهابية ردودا مشحونة بالسخف والهراء ويقدمون إليها بأيديهم الوسيلة إلى السخر منهم ومحاربتهم بسلاحهم) (٣).

وكان طبيعيا ألا تستمر فكرة الجامعة الإسلامية وهي على ذلك النحو من الاستغلال للدين وللمسلمين. فما لبث أن احتضرت بعد سنوات قليلة من قيامها. ثم كانت نهايتها مع الحرب العالمية الأولى.

واستمرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب باقية، قائمة على خدمة الإسلام، تحقق فكرة ابن خلدون القائلة: (بأن العرب البدو يستطيعون أن يؤلفوا قوة لها نشاطها ولها شأنها متى انقادوا إلى الدين. فمن يقارن بين مراحل ظهور الدين الإسلامي وانتشاره وبين مراحل ظهور الحركة الوهابية وانتشارها، وما سبق ظهورهما من جاهلية. . يجد أوجه الشبه واضحة) (٤).


(١) Mahmoud: A Study in contemporary Islam p. ٢٠٨.
(٢) منير العجلاني: تاريخ المملكة العربية السعودية ص ٣٥٠ - ٣٦٠.
(٣) أحمد جودت: تاريخ جودت ص ٧٥.
(٤) Winder، R. B.: Saudi Arabia in the ١٩ th century p. ١٦٧.