للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الرابع عشر: أن سجود الشكر روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم (١)، ولم يثبت عن أحد ممن عاصرهم خلاف قولهم (٢)، فهذا كالإجماع منهم على مشروعيته.

الدليل الخامس عشر: قياس سجود الشكر عند النعم المتجددة على السجود والصلاة عند الآيات المتجددة، فكما أنه يشرع السجود عند الآيات المتجددة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم آية فاسجدوا (٣)»، وكما أنه تشرع الصلاة عند حدوث الآيات المخوفة كالكسوف والخسوف فكذلك يشرع السجود عند حدوث نعمة عظيمة، أو اندفاع نقمة عظيمة (٤).

والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول، وهو القول بمشروعية سجود الشكر، وذلك لقوة أدلته، فالأحاديث التي استدل بها أصحاب هذا القول منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما فيه ضعف يسير بحيث يتقوى بغيره، فبعض هذه الأحاديث يكفي لإثبات مشروعية سجود الشكر، فكيف بمجموعها، كيف وقد عضد هذه الأحاديث الآثار الواردة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في ذلك، ولم يثبت عن أحد ممن عاصرهم رضي الله عنهم خلاف ذلك، وهذا كالإجماع منهم على مشروعيته، فضلا عن أن ذلك هو مقتضى النظر السليم والقياس الصحيح، وأيضا فإن الأدلة التي استدل بها القائلون بعدم مشروعية سجود الشكر كلها ضعيفة، وقد أجيب عنها كما سبق.


(١) وقد سبق ذكر من روى ذلك عنهم منهم.
(٢) المحلى ٥/ ١٢، المسألة، (٥٥٧).
(٣) روى أبو داود (١١٩٧)، والترمذي (٣٨٩١)، والبغوي (١١٥٦) من طريقين أحدهما حسن عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قيل لابن عباس رضي الله عنهما بعد صلاة الصبح: ماتت فلانة لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فسجد، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ فقال: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم آية فاسجدوا". فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: "حسن غريب "، والحكم بن أبان "صدوق عابد له أوهام"، كما في التقريب ١/ ١٩٠. فالحديث إسناده حسن إن شاء الله، وقد حسنه الشيخ محمد ناصر الدين في تعليقه على المشكاة ١/ ٤٧٠، والشيخ شعيب الأرناؤوط تعليقه على شرح السنة ٤/ ٣٨٥.
(٤) تهذيب السنن ١/ ٤١٠، ٤١١.