للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الثالث: ما روي عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: «قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، فسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم، فنزل وسجد وسجدوا (١)»

القول الثاني: أنها سجدة تلاوة، وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه (٢)، والإمام أبو حنيفة وأصحابه (٣)، وهو مذهب المالكية.

وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة أهمها:

الدليل الأول: استدلوا بجميع الأحاديث التي روي فيها «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد في (ص) (٤)»


(١) رواه أبو داود (١٤١٠)، والدارمي (١٤٦٦)، وابن حبان كما في موارد الظمآن (٦٨٩)، والحاكم ٢/ ٤٣١، والبيهقي في سننه الكبرى ٢/ ٣١٨، وفي الصغرى (٨٦٣)، والدارقطني ١/ ٤٠٨ من طريقين أحدهما صحيح عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد به، ورجاله ثقات، عدا سعيد بن أبي هلال، فقد قال فيه الحافظ في التقريب: "صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا، إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط"، وقد أخرج له البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقال البيهقي: "هذا حديث حسن الإسناد صحيح "، وقال النووي في المجموع ٤/ ٦١: "رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري". ورواه ابن حبان كما في موارد الظمآن (٦٩٠) عن ابن مسلم حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عياض .. فذكره. وقد صحح هذا الحديث أيضا الرملي في نهاية المحتاج ٢/ ٩٣، والقسطلاني في إرشاد الساري ٢/ ٢٨٢، والشربيني في مغني المحتاج ١/ ٢١٥، وابن كثير في تفسيره ٤/ ٤٩، وحسنه الشيح عبد القادر الأرناؤوط في تعليقه على زاد المعاد ٥/ ٥٥٧، وقال الشوكاني في نيل الأوطار ٣/ ١٢٠: "رجال إسناده رجال الصحيح".
(٢) الروايتين والوجهين ١/ ١٤٣، شرح الزركشي ١/ ٩٣٦، المستوعب ٢/ ٦٥٦ (طبع استنسل)، الإنصاف ٢/ ١٩٦.
(٣) عمدة القاري ٧/ ٩٨، بدائع الصنائع ١/ ١٩٣، وانظر الحجة ١/ ١٠٩، ١١٣، واللباب ١/ ٣١٤
(٤) سبق ذكر بعض هذه الأحاديث ضمن أدلة القول الأول. وروى البخاري (٤٨٠٧) من طريق العوام قال: سألت مجاهدا عن سجدة (ص) فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ: (ومن ذريته داود وسليمان)، (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) فكان داود ممن أمر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي به، فسجدها داود، فسجدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وروى الدارقطني ١/ ٤٠٦، وأبو يعلى - كما في المقصد العلي ص٤١٦ - من طريق حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يسجد في (ص)، ورجاله ثقات، عدا محمد بن عمرو - وهو الليثي - فهو "صدوق له أوهام" كما في التقريب، وحفص بن غياث تغير حفظه قليلا في الآخر كما في التقريب. وروى الإمام أحمد (كما في الفتح الرباني ٤/ ١٨٢) من طريق يزيد، ثنا حميد، ثنا بكر أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- رأى رؤيا أنه يكتب (ص) فلما بلغ سجدتها، قال: فرأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا، قال: فقصها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يزل يسجد بها بعد، ورجاله ثقات، لكن بكر وهو المزني تابعي، ولم يذكر أنه سمع الحديث من أبي سعيد، وقال الحافظ في التلخيص ٢/ ١٠: "اختلف في وصله وإرساله". وله شاهد بنحوه من حديث ابن عباس رواه الترمذي (٥٧٩)، (٣٤٢٤)، وابن ماجه (١٠٥٣)، وابن حبان كما في الإحسان (٢٧٥٧)، وابن خزيمة (٥٦٢، ٥٦٣)، والحاكم ١/ ٢٢٠، والعقيلي ١/ ٢٤٢ من طريق الحسن بن محمد عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس يقول فذكره. وحسنه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية ٢/ ٢٧٦، والحسن بن محمد "مقبول" كما في التقريب.