وقوله أيضا فيما رواه إبراهيم الحربي من حديث أبي ثعلبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أول دينكم نبوة ورحمة ثم خلافة ورحمة ثم ملك ورحمة ثم ملك وجبرية ثم ملك عضوض يستحل فيه الحر والحرير (١)» والحر - بكسر الحاء وتخفيف الراء - هو الفرج، فهذا إخبار عن استحلال المحارم ولكنه بتغيير أسمائها وإظهارها في صور تجعل وسيلة إلى استباحتها وهي الربا والخمر والزنا فيسمى كل منها بغير اسمها، ويستباح بالاسم الذي سمي به وقد وقعت الثلاثة.
وفي قول عائشة (بئسما شريت، وبئسما اشتريت) دليل على بطلان العقدين معا، وهذا هو الصحيح من المذهب، لأن الثاني عقد ربا والأول وسيلة إليه.
وفيه قول آخر في المذهب: أن العقد الأول صحيح لأنه تم بأركانه وشروطه، فطريان الثاني عليه لا يبطله، وهذا ضعيف فإنه لم يكن مقصودا لذاته وإنما جعله وسيلة إلى الربا، فهو طريق إلى المحرم فكيف يحكم بصحته؟ وهذا القول لا يليق بقواعد المذهب.
فإن قيل: فما تقولون فيمن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة؟
قلنا: قد نص أحمد في رواية حرب على أنه لا يجوز إلا أن تتغير السلعة لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كمسألة العينة سواء وهي عكسها صورة، وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقدا لكن في إحدى الصورتين: البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى: المشتري هو الذي اشتغلت ذمته فلا فرق بينهما.
وقال بعض أصحابنا: يحتمل أن تجوز الصورة الثانية إذا لم يكن ذلك حيلة ولا مواطأة بل وقع اتفاقا.
وفرق بينها وبين الصورة الأولى بفرقين:
أحدهما: أن النص ورد فيها فيبقى ما عداها على أصل الجواز.