عليه بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام قبل قبضه، وقال " أحسب كل شيء بمنزلة الطعام " ومع هذا فقد ثبت عنه: أنه جوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح فيه ولم يفرق بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما، لأن البيع هنا من البائع للبائع الذي هو في ذمته، فهو يقبضه من نفسه لنفسه بل في الحقيقة ليس هنا قبض، بل يسقط عنه ما في ذمته، فتبرأ ذمته، وبراءة الذمم مطلوبة في نظر الشرع لما في شغلها من المفسدة، فكيف يصح قياس هذا على بيع شيء غير مقبوض لأجنبي لم يتحصل بعد، ولم تنقطع علق بائعه عنه؟
وأيضا: فإنه لو سلم المسلم فيه ثم أعاده إليه جاز، فأي فائدة في أخذه منه ثم إعادته إليه؟ وهل ذلك إلا مجرد كلفة ومشقة لم تحصل بها فائدة؟.
ومن هنا يعرف فضل علم الصحابة وفقههم على كل من بعدهم.
قالوا: وأما استدلالكم بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربح ما لم يضمن: فنحن نقول بموجبه وأنه لا يربح فيه كما قال ابن عباس: " خذ عرضا بأنقص منه ولا تربح مرتين ".
فنحن إنما نجوز له أن يعاوض عنه بسعر يومه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمر في بيع النقود في الذمة: «لا بأس إذا أخذتها بسعر يومها (١)» فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما جوز الاعتياض عن الثمن بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وقد نص أحمد على هذا الأصل في بدل العوض وغيره من الديون: أنه إنما يعتاض عنه بسعر يومه لئلا يربح فيما لم يضمن.
وكذلك قال مالك: يجوز الاعتياض عنه بسعر يومه، كما قال ابن عباس لكن مالكا يستثني الطعام خاصة، لأن من أصله: أن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز، بخلاف غيره.
(١) سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٣٩)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).