للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقود التي تتردد بين قصد الرفق والمغابنة، وهي التولية والشركة والإقالة، فإذا وقعت على وجه الرفق من غير أن تكون الإقالة أو التولية بزيادة أو نقصان فلا خلاف أعلمه في هذا المذهب أن ذلك جائز قبل القبض وبعده، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا تجوز الشركة ولا التولية قبل القبض، وتجوز الإقالة عندهما لأنهما قبل القبض فسخ بيع لا بيع، فعمدة من اشترط القبض في جميع المعاوضات أنها في معنى البيع المنهي عنه وإنما استثنى مالك من ذلك التولية والإقالة والشركة للأثر والمعنى. وأما الأثر فما رواه من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ابتاع طعاما فلا يبع حتى يستوفيه (١)» إلا ما كان من شركة أو تولية أو إقالة، وأما من طريق المعنى فإن هذه إنما يراد بها الرفق لا المغابنة إذا لم تدخلها زيادة ولا نقصان وإنما استثنى من ذلك أبو حنيفة الصداق والخلع والجعل، لأن العوض في ذلك ليس بينا إذا لم يكن عينا.

الفصل الثالث: في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيلا وجزافا.

وأما اشتراط القبض فيما بيع من الطعام جزافا، فإن مالكا رخص فيه وأجازه وبه قال الأوزاعي ولم يجز ذلك أبو حنيفة والشافعي، وحجتهما عموم الحديث المتضمن للنهي عن بيع الطعام قبل قبضه لأن الذريعة موجودة في الجزاف وغير الجزاف، ومن الحجة لهما ما روي عن ابن عمر أنه قال: «كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبتاع الطعام جزافا، فبعث إلينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه (٢)» قال أبو عمر: وإن كان مالك لم يرو عن نافع في هذا الحديث ذكر الجزاف، فقد روته جماعة وجوده عبيد الله بن عمر وغيره، وهو مقدم في حفظ حديث نافع. وعمدة المالكية أن الجزاف ليس فيه حق توفية، فهو عندهم من ضمان المشتري بنفس العقد، وهذا من باب تخصيص العموم بالقياس المظنون العلة، وقد يدخل في هذا الباب إجماع العلماء على منع


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٦)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٦)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٤)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٥)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٥٦)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).
(٢) صحيح البخاري البيوع (٢١٢٤)، صحيح مسلم البيوع (١٥٢٧)، سنن النسائي البيوع (٤٦٠٥)، سنن أبو داود البيوع (٣٤٩٣)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٢٩)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١١٣)، موطأ مالك البيوع (١٣٣٧)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٥٩).