بخلاف غيره. واحتج أصحابنا بما سبق في الاحتجاج على مالك وأجابوا عن النصوص بأنها مخصوصة بما ذكرناه (وأما) قولهم: لا يتصور تلفه. فينتقض بالجديد الكثير، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال المصنف - رحمه الله -:
(وأما الديون فينظر فيها، فإن كان الملك عليها مستقرا كغرامة المتلف وبدل القرض، جاز بيعه ممن عليه قبل القبض لأن ملكه مستقر عليه، فجاز بيعه كالمبيع بعد القبض وهل يجوز من غيره؟ فيه وجهان (أحدهما) يجوز، لأن ما جاز بيعه ممن عليه جاز بيعه من غيره كالوديعة (والثاني) لا يجوز، لأنه لا يقدر على تسليمه إليه لأنه ربما منعه أو جحده وذلك غرر لا حاجة به إليه فلم يجز والأول أظهر لأن الظاهر أنه يقدر على تسليمه إليه من غير منع ولا جحود، وإن كان الدين غير مستقر نظرت فإن كان مسلما فيه لم يجز بيعه لما روي أن ابن عباس - رضي الله عنهما - سئل عن رجل أسلف في حلل دقاق فلم يجد تلك الحلل فقال: آخذ منك مقام كل حلة من الدقاق حلتين من الجل فكرهه ابن عباس، وقال: خذ برأس المال علفا أو غنما، ولأن الملك في المسلم فيه غير مستقر لأنه ربما تعذر فانفسخ البيع فيه فلم يجز بيعه كالمتبع قبل القبض.
وإن كان ثمنا في بيع ففيه قولان قال في الصرف: يجوز بيعه قبل القبض لما روى ابن عمر قال: «كنت أبيع الأول بالبقيع بالدنانير، فآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم فآخذ الدنانير فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا بأس ما لم تتفرقا وبينكما شيء (١)»، ولأنه لا يخشى انفساخ العقد فيه بالهلاك فصار كالبيع بعد القبض، وروى المزني في جامعه الكبير أنه لا يجوز لأن ملكه غير مستقر عليه: لأنه قد ينفسخ البيع فيه بتلف المبيع أو بالرد بالعيب، فلم يجز بيعه كالمبيع قبل القبض، وفي بيع نجوم المكاتب قبل القبض طريقان (أحدهما) أنه على قولين بناء على القولين في بيع رقبته (والثاني)
(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٤٢)، سنن النسائي البيوع (٤٥٨٢)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٥٤)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٦٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٣٩)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٨١).