للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجزء الثالث ص ٨٢ بما نصه " لا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر مرة عند الهجرة ومرة عند قدومه من تبوك فلا يحكم بغلط ابن عائشة لأنه ثقة " أ. هـ.

٢ - أن كون ثنية الوداع شمال المدينة لا يمنع كون ذلك النشيد عند مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها للهجرة لأنه - صلى الله عليه وسلم - ركب ناقته وأرخى لها زمامها وقال: «دعوها فإنها مأمورة» ومر بدور الأنصار حتى مر ببني ساعدة ودارهم في شمال المدينة قرب ثنية الوداع فلم يدخل باطن المدينة إلا من تلك الناحية حتى أتى منزله بها، وقد عرج النبي - صلى الله عليه وسلم - في رجوعه من بدر إلى ثنية الوداع كما في مغازي ابن عقبة أنه - صلى الله عليه وسلم - سلك حين خرج إلى بدر حتى ثقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع. وهذا جواب نور الدين علي بن أحمد السمهودي في " وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى " ج ٤ ص ١١٧٠ عن كلام ابن القيم في زاد المعاد المتقدم واستحسنه الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ج ١ ص ٣٦٠ واعتمد عليه في نفي الوهم عن ابن عائشة الذي عناه ابن القيم في عبارة " زاد المعاد " ببعض الرواة، قال الزرقاني: " هو جواب حسن وإن كان شيخنا البابلي - رحمه الله - يستبعده بأنه يلزم عليه أن يمر ويرجع على قباء ثانيا فلا بعد فيه ولو لزم ذلك لإرخائه زمام الناقة وكونها مأمورة ".

٣ - مسلك المجد الفيروزابادي فإنه قال بعد أن نقل عن أهل السير والتاريخ وأصحاب المسالك ثنية الوداع من جهة مكة قال: " وأهل المدينة اليوم يظنونها من جهة الشام ". وكأنهم اعتمدوا قول ابن قيم الجوزية في هديه فإنه قال: " من جهة الشام ثنيات الوداع ولا يطأها القادم من مكة البتة، ووجه الجمع أن كلتا الثنيتين تسمين بثنية الوداع " أ. هـ. كلام المجد وقد تعقبه السمهودي في " وفاء الوفاء " ج ٤ ص ١١٧٢ بقوله: " والظاهر أن مستند من جعلها من جهة مكة ما سبق من قول النسوة وأن ذلك عند القدوم من الهجرة مع الغفلة عما قدمناه من توجيهه وهو في الحقيقة حجة لمن ذكرها في جهة الشام، ولم أر لثنية الوداع ذكرا في سفر من الأسفار التي بجهة مكة " ثم قال السمهودي: " وإن سلم الجمع الذي ذكره المجد من الثنيتين يسمى بذلك، فالمراد من الأخبار المتقدمة كلها الموضع المتقدم بيانه في شمال المدينة، وكذلك من حديث السباق في أمد الخيل المضمرة أنه من الغامة أو الحفيا إلى ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق لانطباق المسافة المذكورة في ذلك على الموضع المتقدم كما سبق في مسجد بني زريق كما سيأتي في الحفيا، مع أن ما بين بني زريق وثنية المدرج لا يصلح للسباق أصلا وهو على نحو ضعفي ما ذكروه في المسافة " أ. هـ. كلام السمهودي.

هذه مسالك العلماء في وقت إنشاد ذلك النشيد العظيم أضعها بين يدي القارئ مقرونا كل مسلك منها بما يحتاج إليه من البحث، وأرجو أن يكون في ذلك ما يمكنه من ترجيح ما يرى ترجيحه حسب الأدلة، والله ولي التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.