والنطق به وحده - هكذا - من غير قرينة تدل على المراد منه فيتبادر حينئذ - منه الحقيقة عند التجرد، وهذه دعوى باطلة، إذ أن اللفظ المطلق عن جميع القيود محال، فهو لا بد أن يكون في كلام متكلم، مقرونا بغيره من الألفاظ، التي تشير إلى مدلوله ومعناه، وهذه قرائن وقيود لا بد منها في كل كلام يفهم معناه.
(ب) إن اللفظ المجرد من كل قيد وقرينة، لا يمكن أن يكون إلا بمثابة الصوت الذي ينعق به، ولا يفيد معنى، فأنت إذا قلت:(افترس الأسد طفلا) و (رأيت أسدا يجز رقاب الفرسان)، فهمنا من الأولى أنك تريد الحيوان المفترس، ومن الثانية أنك تريد الرجل الشجاع لا غير.
وإذا قلت:(انتظرتك على رأس الدرب) و (وقفت على رأس الجبل) و (قطع الأمير رأس المجرم) فهمنا - وفهم كل عربي مثلنا - أنك تريد من رأس الدرب أوله، ومن رأس الجبل قمته، ومن رأس المجرم هذا العضو المعروف في الإنسان ليس غير، وكل من فهم غير هذا الفهم كان فاسد العقل سقيم الإدراك. إن العرب لم تستعمل الألفاظ إلا مقيدة، ولم يرو أبدا أنهم استعملوا لفظا مطلقا من كل قيد، بل ومن أعلمنا أن العرب وضعوا - أول ما وضعوا - لفظ (الرأس) أو (الأسد) مجردا من كل قرينة، وأنهم عندما وضعوها هكذا مجردة، أرادوا بها هذا المعنى المعين بالذات دون غيره من المعاني الكثيرة، التي يدل عليها ذلك اللفظ؟
إنها مجرد دعوى فارغة، اختلقها خيال مهوم، لا يسندها دليل ثبت، ولا واقع حال.
ولو أني قلت:(رأيت أسدا) و (أبصرت رأسا)، فمن من العقلاء