للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصيانة الحق والرزق تستلزم أن يكون أبناء الإسلام دائما على إعداد واستعداد، وأن تكون طائفة منهم على الدوام في حالة رباط، أو على أرض الميدان، حتى يظل الجهاد فريضة قائمة باقية، وصلوات الله وسلامه على رسوله حين مجد شأن المؤمن المجاهد الموصول النضال، فقال: «خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها (١)».

* * *

وهذا: واحد من أبناء الإسلام، وأتباع محمد - عليه الصلاة والسلام - يظل أكثر من خمسين عاما يحمل سلاحه، ويسدد رماحه، ويذود عن حمى الدين، ويصون حرمات المسلمين، ويتقرب بالجهاد إلى الله رب العالمين: إنه البطل القائد، الأمير الفاتح أبو سعيد مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي الدمشقي، وإليه تنسب جماعة بني مسلمة التي كانت بلدتهم هي الأشمونين وفيها منازلهم، وهي بلدة بالصعيد الأعلى في مصر غربي نهر النيل.

وكان مسلمة بن عبد الملك من أبطال عصره، بل من أبطال الإسلام المعدودين، حتى كانوا يقولون عنه أنه خالد بن الوليد الثاني، لأنه كان يشبه سيف الله المسلول في شجاعته وكثرة معاركه وحروبه، ويقول عنه المؤرخ يوسف بن تغري: روى صاحب كتاب النجوم الزاهرة هذه العبارة: كان شجاعا صاحب همة وعزيمة، وله غزوات كثيرة (٢). ويقول عنه ابن كثير: وبالجملة كانت لمسلمة مواقف مشهورة، ومساع مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصونا وقلاعا، وأحيا بعزمه قصورا وبقاعا، وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه، وفي كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، وهذا مع الكرم والفصاحة (٣)، ويقول عنه صاحب العقد الفريد: ولم يكن لعبد الملك ابن أسد رأيا، ولا أزكي عقلا، ولا أشجع قلبا، ولا أسمع نفسا، ولا أسخى كفا من مسلمة (٤).

ولذلك أوصى عبد الملك بن مروان أولاده، وفيهم مسلمة، فكان مما قاله لهم عنه: يا بني، أخوكم


(١) سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٥٢)، سنن النسائي الزكاة (٢٥٦٩)، موطأ مالك الجهاد (٩٧٦)، سنن الدارمي الجهاد (٢٣٩٥).
(٢) المرجع السابق
(٣) البداية والنهاية ج٩ص٣٢٨و٣٢٩
(٤) العقد الفريد، ج٧ ص١٤٥