للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه (١)».

وإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، وقال محمد رحمه الله: يحد، وكذلك إذا شهدوا عليه بعد ما ذهب ريحها، والسكر لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: يحد، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق غير أنه مقدر بالزمان عنده اعتبارا بحد الزنا، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمن والرائحة قد تكون من غيره كما قيل:

يقولون لي أني شربت مدامة ... فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا

وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضي الله عنه فيه: فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه.

ولأن قيام الأثر من أقوى دلالة القرب، وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره، والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل وإنما تشتبه على الجهال. وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد رحمه الله كما في حد الزنا على ما مر تقريره، وعندهم لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة، لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود رضي الله عنه، وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا.

فإن أخذه الشهود وريحها توجد منه وهو سكران فذهبوا به من مصر إلى مصر فيه الإمام فانقطع ذلك قبل أن ينتهوا به صرف قولهم جميعا، لأن هذا عذر كبعد المسافة في حد الزنا والشاهد


(١) سنن أبو داود الحدود (٤٤٨٥).