للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونزول القرآن على قسمين:

الأول: ما نزل ابتداء من غير سبب، وهو أكثر القرآن.

والثاني: ما نزل مرتبطا بسبب، وهو أقل القرآن.

ومن هذا التمهيد أنتقل إلى الاصطلاحي لسبب النزول: وهو الحادثة التي تقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، أو السؤال يوجه إليه فتنزل الآية أو الآيات أيام وقوع ذلك مبينة لحكم تلك الحادثة أو مجيبة على ذلك السؤال ومعنى التقييد بأيام وقوع ذلك أن الحادثة أو السؤال لا يعتبران سببا لنزول الآية أو الآيات إلا إذا نزلت عقب ذلك مباشرة، كما في حادثة خولة بنت ثعلبة التي ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فنزلت بسببها آيات الظهار في أول سورة المجادلة (١)، أو تأخر نزولها يسيرا لحكمة، كما في حادثة الإفك، فقد نزلت الآيات بعدها بشهر كما رواها البخاري عن عائشة في حديث طويل نقتطف منه قول السيدة عائشة رضي الله عنها «وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني (٢)» الحديث.

أما الحوادث القديمة، وقصص الأنبياء السابقين، فلا تعتبر أسبابا للنزول، لأنها لم تقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لذا أخذ على الواحدي جعله قدوم الأحباش إلى البيت الحرام بالفيلة سببا لنزول سورة الفيل. قال السيوطي في الإتقان (١/ ٣١): (والذي يتحرر في سبب النزول، أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في تفسيره في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به، فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح، وعاد، وثمود، وبناء


(١) انظر تفصيل تلك الحادثة في أسباب النزول للواحدي ص ٤٣٣.
(٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر تفسير النور (٨/ ٤٥٤) وأسباب النزول للواحدي (٣٣٣).