للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إيضاحه لأهميته، فصنع عليه كتابا سماه "معنى كتاب الأوسط للأخفش " وكأني بمبرمان النحوي البغدادي المتوفى سنة ٣٢٦هـ قد رأى أن هذا الكتاب المهم الذي يظهر آخر ما استقر عليه الأخفش من الآراء - لأنه الكتاب الذي عاد فيه إلى موافقة سيبويه في عدد من أقواله التي كان خالفه فيها من قبل والذي نص فيه على أن ما عاد إليه هو آخر قوليه (١) - مازال يحيط به الغموض، وأن شرح أستاذه المبرد لم يكن كافيا ولا شافيا في الكشف عن مكنوناته، فانصرف بدوره إلى شرحه مرة أخرى وإلى تجليته في صورة واضحة لا لبس فيها ولا التواء.

وقد تحامل عليه أيضا أبو حاتم السجستاني فنسب إليه أنه وضع كتابه في النحو من كتاب علي الجمل نحوي المدينة المغمور، وأنه أخذ كتاب أبي عبيدة في معاني القرآن وادعاه لنفسه بعد أن غير فيه وبدل، وأنه كان يحتج بشعر بشار المتوفى سنة ١٦٧ هـ في كتبه لا لشيء إلا ليدرأ عنه شر لسانه (٢).

ومما يشكك في أن يكون احتجاج الأخفش بشعر بشار حقيقة وحقا مقطوعا بهما: أن غير أبي حاتم قد روى أن الاحتجاج بشعر بشار إنما كان من سيبويه (٣) لا من الأخفش، ثم إن هذا الشك قد تحول عندنا إلى ما يشبه اليقين حين رأينا أن الأخفش قد توفي سنة ٢١١هـ أو سنة ٢١٤هـ ولا يعقل أن يكون احتجاجه بشعر بشار مخافة لسانه وبين سنتي وفاتهما نصف قرن من الزمان تقريبا.

أما ما زعمه أبو حاتم من أن الأخفش وضع كتابه في النحو من كتاب علي الجمل فإنه يبدو لي أن أبا حاتم انتهز إحدى الفرص ليرمي الأخفش بهذا، فقد رأى الأخفش يقول في كتابه "الزيت رطلان بدرهم"


(١) انظر مثلا الهمع، ١٩٦: ٢، والتصريح ٣٣٣: ٢.
(٢) انظر إنباه الرواة ٣٧: ٢.
(٣) انظر الأصفهاني، الأغاني ٣: ٢٠٣ - ٢٠٤.