وهكذا يتضح من كل ما سقناه: أنه لم يكن لكل واحدة من المدرستين على حدة، ولا لأحد من رؤسائهما وأعلامهما على التعيين - خط واحد ثابت في ذلك الوقت المبكر في موضوع القراءات لا يحيد عنه ولا يخالفه.
وأن القراءات التي وقف عندها النحاة بصريين كانوا أو كوفيين واستشكلوها هي في حقيقة الأمر قليلة إذا قيست بمجموع القراءات، وهي لا تعدو أن تكون حروفا معدودة لا يصح من أجلها أن يعمم الحكم بأن فريقا كان يخطئ القراءات وفريقا آخر يقبلها. والأليق أن يلتمس لهم جميعا العذر فيما فعلوا فيقال: إن من وقف منهم عند قراءة إنما وقف رغبة منه في التحري الدقيق للفظ القرآن ونطقه.
وقد سار أيضا على نهج الرعيل الأول من البصريين والكوفيين كسيبويه والأخفش والكسائي والفراء واقتدى بهم في مواقفهم المتنوعة من القراءات من بعدهم من النحاة في المدارس المتعاقبة، ففعلوا مثل ما فعل هؤلاء، اعترضوا تارة على بعض القراءات وتشددوا في حملها على الانسجام مع قواعدهم، وتوسعوا تارة أخرى في الاحتجاج بها وفي اتخاذها على إطلاقها مصادر لقواعدهم دون النظر إلى درجتها، واتفقوا فيها تارة ثالثة على آراء متطابقة لا فرق بينها.