للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وربما كان ذلك في بعض الأحيان مظهرا من مظاهر التردد لتعدد الأدلة أمامه في المسألة الواحدة، ولانعدام القدرة على الجزم فيها والقطع بأحدها وطرح ما سواه.

ويبدو لي أن سبب اضطراب رأي الأخفش في طائفة كبيرة من المسائل وخلافه مع البصريين وزيادته عليهم، ومتابعته للكوفيين أو متابعتهم له، مما يشاهد كثيرا في الكتب النحوية في الفروع الخلافية هو نفسه السبب الذي ذكرناه من قبل ورددنا إليه مراوحته بين التشدد في القياس تأثرا بالبصريين وتساهله فيه متابعا الكوفيين.

وخلاصة هذا السبب في هذه الأمور جميعا هو اتصاله بالكوفيين في بغداد بعد رحيله إليها من البصرة واختلاطه بهم ومصادقته لأئمتهم وتأثره باتجاهاتهم المتسامحة، ثم عودته إلى البصرة وابتعاده بذلك عن الكوفيين في بغداد مما أعاده إلى جو التشدد والالتزام الدقيق في الدرس النحوي في شتى مناحيه.

وأيا ما كان الأمر فإن من المسائل الكثيرة التي تعدد رأيه فيها:

- ذهابه تارة إلى إهمال "لات" وقوله: إن العمل الموجود بعدها هو لغيرها وليس لها فإذا وليها مرفوع فمبتدأ خبره محذوف، وإذا وليها منصوب فبإضمار فعل، وذهابه طورا آخر إلى أن "لات" تعمل عمل "إن" فتنصب الاسم وترفع الخبر.

- قوله برأي الخليل وسيبويه في أن جازم جواب الشرط هو الأداة والشرط معا، وقوله أيضا برأي الكوفيين في أن الشرط والجواب تجازما كما ترافع المبتدأ والخبر، واستقلاله بالقول إن جازم الشرط الأداة وجازم الجواب الشرط (١).


(١) انظر الهمع ٢: ٦١، والتصريح ٢: ٢٤٨.