فالمقصود أن مقام العبودية، ومقام الرسالة هما أشرف المقامات، فإذا ذهبت الرسالة بفضلها بقي مقام الصديقية بالعبادة.
فأكمل الناس إيمانا وصلاحا وتقوى وهدى، هم الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لكمال علمهم بالله، وعبادتهم له، وذلهم لعظمته - جل وعلا -، ثم يليهم الصديقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون، كما قال - جل وعلا -: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}(١)، ولا بد مع توحيد الله من تصديق رسله، ولهذا لما بعث الله نبيه محمدا - عليه الصلاة والسلام - صار يدعو الناس أولا إلى توحيد الله وإلى الإيمان بأنه رسوله - عليه الصلاة والسلام -.
فلا بد من أمرين: توحيد الله والإخلاص، ولا بد مع ذلك من تصديق الرسل - عليهم الصلاة والسلام -.
فمن وحد الله ولم يصدق الرسل فهو كافر، ومن صدقهم ولم يوحد الله فهو كافر، فلا بد من أمرين: توحيد الله، وتصديق رسله - عليهم الصلاة والسلام -.
والاختلاف في هذا المقام هو في الشرائع، وأما توحيد الله والإخلاص له، وترك الإشراك به، وتصديق رسله، فهو أمر لا اختلاف فيه بين الأنبياء، بل لا إسلام ولا دين ولا هدى ولا نجاة إلا بتوحيد الله - عز وجل - وإفراده بالعبادة، والإيمان بما جاء به رسله - عليهم الصلاة والسلام -، جملة وتفصيلا.
فمن وحد الله - جل وعلا -، ولم يصدق نوحا في زمانه أو إبراهيم في زمانه أو هودا أو صالحا أو إسماعيل أو إسحاق أو يعقوب أو من بعدهم