فأعطوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم، حلوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. . . وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبا بنو الحارث بن عامر. . . فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه، قال: دعوني أصلي ركعتين، ثم انصرف إليهم، فقال: لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سن الركعتين عند القتل، وقال: اللهم أحصهم عددا، وقال: -
فلست أبالي حين أقتل مسلما ... على أي شق كان في الله مصرعي (١)
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله)».
قلت: ويسمى ذلك اليوم الذي غدر فيه بهذه العصبة المؤمنة بـ (يوم الرجيع)، وكان ذلك سنة ثلاث للهجرة، والرجيع: ماء لهذيل بناحية الحجاز على صدور الهدأة (موضع بين عسفان ومكة).
أما مقتل خبيب فقد كان بالتنعيم؛ إذ خرجوا به بعد أن حشدوا لذلك نساءهم وأطفالهم، وصلبوه على خشبة، بعد أن أوثقوه، وقد خلد خبيب هذه الملحمة بشعره حتى غدا شعره فيها أذيع من الملحمة نفسها.
كما رصد حسان بن ثابت بشعره قطع النبي - صلى الله عليه وسلم - لنخل بني النضير وتحريقه له.
(١) رواه البخاري (٤٠٨٦) في المغازي، غزوة الرجيع، وأبو داود (٢٦٦٠، ٢٦٦١) في الجهاد، في الرجل يستأسر، والطيالسي في مسنده (٢٥٩٧)، وذكر القصة بطولها ابن هشام في السيرة (٣/ ٩٣ وما بعدها)، والشلو: العضو من الإنسان، ممزع: مفرق، قال الحافظ في الفتح (٧/ ٤٤٤): (في الحديث أن للأسير أن يمتنع عن قبول الأمان، ولا يمكن من نفسه ولو قتل أنفة عن أن يجري عليه حكم كافر، وهذا إذا أراد الأخذ بالشدة، فإذا أراد الأخذ بالرخصة فله أن يستأمن، وفيه إنشاء الشعر وإنشاده عند القتل).