الذي بلغه خبره، وكان ذلك في وقت الهدنة، وعلى رأسهم أبو سفيان بن حرب، فسألهم عنه، وعن قوله: إنه نبي؟! «فأمر بأبي سفيان فأجلسه أمامه، وأجلسوا أصحابه خلفه، وقال لترجمانه: قل لهم إني سائله فإن كذب فليكذبوه. فسأل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أشياء كثيرة معروفة في البخاري وغيره، ومما سأل عنه أن سألهم عما يدعوهم إليه؟، فقالوا: يدعونا إلى أن نعبد الله وحده، وأن نترك ما عليه آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدق والصلة والعفاف، فقال لهم: إن كان كما قلتم ليملكن موضع قدمي هاتين (١)». فكان الأمر كما قال، فملك الله المسلمين الشام، وأزاح عنها الروم، ونصر الله نبيه وأيد حزبه.
والمقصود أن هذا الأصل هو الأمر العظيم، ولما تساهل فيه الناس -إلا من رحم الله- وقعوا في الشرك الأكبر، وهم يدعون الإسلام وينكرون على من رماهم بخلافه، وهم على الشرك بسبب جهلهم بهذا الأصل العظيم، فقد اتخذوا كثيرا من الأموات آلهة من دون الله يعبدونهم، ويطوفون بقبورهم، ويستغيثون بهم، ويسألونهم شفاء المرضى، وقضاء الحاجات، والنصر على الأعداء، ويقولون هذا ليس بشرك وإنما هو تعظيم للصالحين، وتوسل بهم إلى الله، ويقولون أيضا بأن الإنسان لا يدعو الله مباشرة إنما يدعو الله بواسطة الأولياء، وهم كالوزراء بالنسبة إلى الرب، كما أن الوزراء بالنسبة للملوك هم الواسطة، فشبهوا الله بخلقه، وعبدوا خلقه من دونه. ونسأل الله العافية.
(١) صحيح البخاري بدء الوحي (٧)، صحيح مسلم الجهاد والسير (١٧٧٣)، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (٢٧١٧)، سنن أبو داود الأدب (٥١٣٦)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٦٣).