للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبين سبحانه أنهم لا يكذبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل يعلمون صدقه وأمانته في الباطن، وكانوا يسمونه الأمين قبل أن يوحى إليه -عليه الصلاة والسلام- ولكنهم جحدوا الحق حسدا وبغيا عليه -عليه الصلاة والسلام- لكنه -عليه الصلاة والسلام- لم يبال بذلك ولم يكترث به، بل صبر واحتسب وسار في الطريق، ولم يزل داعيا إلى الله جل وعلا، صابرا على الأذى، مجاهدا بالدعوة، كافا عن الأذى، متحملا له، صافحا عما يصدر منهم حسب الإمكان، حتى اشتد الأمر، وعزموا على قتله عليه الصلاة والسلام، فعند ذلك أذن الله له بالخروج إلى المدينة، فهاجر إليها عليه الصلاة والسلام، وصارت عاصمة الإسلام الأولى، وظهر فيها دين الله، وصار للمسلمين بها دولة وقوة، واستمر -عليه الصلاة والسلام- في الدعوة وإيضاح الحق، وشرع في الجهاد بالسيف، وأرسل الرسل يدعون الناس إلى الخير والهدى، ويشرحون لهم دعوة نبيهم محمد -عليه الصلاة والسلام- وبعث السرايا، وغزا الغزوات المعروفة حتى أظهر الله دينه على يديه، وحتى أكمل الله به الدين، وأتم عليه وعلى أمته النعمة، ثم توفي عليه الصلاة والسلام بعدما أكمل الله به الدين، وبلغ البلاغ المبين -عليه الصلاة والسلام- فتحمل أصحابه من بعده الأمانة، وساروا على الطريق، فدعوا إلى الله عز وجل، وانتشروا في أرجاء المعمورة دعاة للحق ومجاهدين في سبيل الله عز وجل، لا يخشون في الله لومة لائم {يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (١) جل وعلا، فانتشروا في الأرض غزاة مجاهدين، ودعاة مهتدين وصالحين مصلحين، ينشرون دين الله، ويعلمون الناس شريعته ويوضحون لهم العقيدة التي بعث الله بها الرسل، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه من الأشجار والأحجار والأصنام وغير ذلك، فلا يدعى إلا الله وحده، ولا يستغاث إلا به ولا يحكم إلا شرعه ولا يصلى إلا له، ولا ينذر إلا له، إلى غير ذلك من العبادات، وأوضحوا للناس أن العبادة حق لله، وتلوا عليهم ما ورد في ذلك من الآيات مثل قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (٢)، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (٣)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (٤)، {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (٥)، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (٦) {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (٧).


(١) سورة الأحزاب الآية ٣٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢١
(٣) سورة الإسراء الآية ٢٣
(٤) سورة الفاتحة الآية ٥
(٥) سورة الجن الآية ١٨
(٦) سورة الأنعام الآية ١٦٢
(٧) سورة الأنعام الآية ١٦٣