للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: عزمت على صاحب النقب أن يأتي للقائي، وقد أمرت الآذن بإدخاله علي ساعة مجيئه.

وبعد حين أقبل نحو الآذن شخص ملثم، وقال له: استأذن لي على الأمير. فقال له: أأنت صاحب النقب؟.

فأجاب: أنا أخبركم عنه، وأدلكم عليه. فأدخله الآذن على مسلمة، فقال الجندي الملثم للقائد:

إن صاحب النقب يشترط عليكم أمورا ثلاثة: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع، وألا تسألوه من هو؟. فقال مسلمة: له ذلك، فأين هو؟ فأجاب الجندي في تواضع واستحياء أنا صاحب النقب أيها الأمير. ثم سارع بالخروج.

فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاة إلا قال في دعائها: اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة (١).

وبعد ما يزيد عن نصف قرن من الزمان قضاها مسلمة بن عبد الملك في قتال ونضال، وكفاح وحمل سلاح. مضى إلى ربه سنة إحدى وعشرين ومائة، لينال ثوابه مع أهل التقوى وأهل المغفرة: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} (٢) {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} (٣) وهو الذي سأله أخوه هشام: هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو؟ فقال: ما سلمت في ذلك من ذعر ينبه على حيلة، ولم يغشني ذعر سلبني رأيي. فقال هشام: هذه والله البسالة (٤).

توفي مسلمة يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة، في موضع يقال له الحانوت، وقيل سنة عشرين ومائة، وقيل سنة ثنتين وعشرين ومائة.

ومن العجيب أن صاحب (النجوم الزاهرة) ذكر خبرين عن وفاته فذكر أولا أنه مات سنة عشرين ومائة.

ثم عاد بعد قليل فذكر أنه مات سنة ثنتين وعشرين ومائة، ولكن القول الأول أصح.

ولقد رثى الوليد بن يزيد بن عبد الملك عمه البطل مسلمة بن عبد الملك فقال في رثائه هذه الأبيات:

أقول - وما البعد إلا الردى ... أمسلم , لا تبعدن , مسلمة

فقد كنت نورا لنا في البلاد ... مضيئا , فقد أصبحت مظلمة

ونكتم موتك نخشى اليقين ... فأبدى اليقين لنا الجمجمة!

رضوان الله تبارك وتعالى عليه.


(١): عيون الأخبار ج١ ص ١٧٢:
(٢) سورة القمر الآية ٥٤
(٣) سورة القمر الآية ٥٥
(٤) العقد الفريد ج١ ص ٨٢