للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل ذلك من وسائل الكفر، ولكن الغالب على عباد القبور هو التقرب إلى أهلها بالطواف بها، كما يتقربون إليهم بالذبح لهم والنذر لهم. وكل ذلك شرك أكبر، من مات عليه مات كافرا لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وأمره إلى الله عز وجل في الآخرة، إن كان ممن لم تبلغه الدعوة فله حكم أهل الفترة، ويدل على ذلك ما جرى لأم النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها ما كانت أدركت النبوة وكانت على دين قومها واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه أن يستغفر لها فلم يؤذن له أن يستغفر لها لأنها كانت على دين الجاهلية. وهكذا أبوه قال عنه - صلى الله عليه وسلم - لما سأله سائل عن أبيه: «إن أبي وأباك في النار (١)» وأبوه - صلى الله عليه وسلم - مات في الجاهلية على دين قومه فصار حكمه حكم الكفار، لكن من لم تبلغه الدعوة في الدنيا، ومات على جهل بالحق يمتحن يوم القيامة في أصح أقوال أهل العلم، فإن نجح دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.

وهكذا جميع أهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٢). .

أما من بلغه القرآن أو بعثه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم يستجب فقد قامت عليه الحجة، كما قال عز وجل: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (٣) يعني أن من بلغه القرآن فقد أنذر.

وقال تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (٤)، فمن بلغه القرآن وبلغه الإسلام، ثم لم يدخل فيه له حكم الكفرة، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه (٥)»


(١) صحيح البخاري الديات (٦٨٩٩)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧١)، سنن الترمذي الطهارة (٧٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠٢٤)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٦٤)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ١٨٦).
(٢) سورة الإسراء الآية ١٥
(٣) سورة الأنعام الآية ١٩
(٤) سورة إبراهيم الآية ٥٢
(٥) صحيح مسلم الإيمان (١٥٣)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٥٠).