ثم قال: وترجيح هذا القول من وجوه أحدها: أنه هو المأثور عن السلف كابن عباس وابن عيينة وابن حنبل - رضي الله عنهم - وغيرهم.
الثاني: أن الله تعالى قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}(١).
فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله أو لعنته وناره، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر.
الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب، فهو حد متلقي من خطاب الشارع.
الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر بخلاف تلك الأقوال، فإن من قال: سبعة، أو سبعة عشر، أو إلى السبعين أقرب - مجرد دعوى. ومن قال: ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه - يقتضي أن شرب الخمر، والفرار من الزحف، والتزوج ببعض المحارم، ونحو ذلك ليس من الكبائر وأن الحبة من مال اليتيم، والسرقة لها، والكذبة الواحدة الخفيفة، ونحو ذلك: من الكبائر، وهذا فاسد. ومن قال: ما سد باب المعرفة بالله، أو ذهاب الأموال والأبدان -: يقتضي أن شرب الخمر، وأكل الخنزير والميتة والدم وقذف المحصنات - ليس من الكبائر! وهذا فاسد ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة -: يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر وهذا فاسد؛ لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر. ومن قال: إنها لا تعلم أصلا، أو إنها مبهمة -: فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها، فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره والله أعلم.