للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه (١)» هذه حال من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك، فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة، وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قيل عن دوس: إنهم عصوا، قال: «اللهم اهد دوسا وائت بهم (٢)» تدعو له بالهداية والتوفيق بقبول الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس، ولا تقل إلا خيرا، لا تعنف ولا تقل كلاما سيئا ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (٣).

* فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد والأذى له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافا عن الأذى فعليك أن تصبر عليه، وتحتسب، وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.

* وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا لحسن الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه، والثبات عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.


(١) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق (٣٢٦٧)، صحيح مسلم الزهد والرقائق (٢٩٨٩)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٠٧).
(٢) صحيح البخاري الجهاد والسير (٢٩٣٧)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٥٢٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٤٣).
(٣) سورة العنكبوت الآية ٤٦