للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشبهة قال: والجواب الصحيح أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل كما قال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (١) قال: أخلصه وأصوبه. قيل يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة فمن عمل لغير الله - كأهل الرياء - لم يقبل منه ذلك كما في الحديث الصحيح يقول الله عز وجل: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (٢)»، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (٣)» أي فهو مردود غير مقبول. فمن اتقى الكفر وعمل عملا ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل منه كمن صلى بغير وضوء لم يقبل منه؛ لأنه ليس متقيا في ذلك العمل وإن كان متقيا للشرك. . إلى أن قال: لا يجوز أن يراد بالآية إن الله لا يقبل العمل إلا ممن يتقي الذنوب كلها؛ لأن الكافر والفاسق حين يريد أن يتوب ليس متقيا، فلو كان قبول العمل مشروطا بكون الفاعل حين فعله لا ذنب له امتنع قبول التوبة. بخلاف ما إذا اشترط التقوى في العمل، فإن التائب حين يتوب يأتي بالتوبة الواجبة، وهو حين شروعه في التوبة منتقل من الشر إلى الخير لم يخلص من الذنب بل هو متق في حال تخلصه منه.

وأيضا فلو أتى الإنسان بأعمال البر - وهو مصر على كبيرة ثم تاب


(١) سورة الملك الآية ٢
(٢) أخرجه مسلم في الزهد باب من أشرك في عمله غير الله برقم ٢٩٨٥.
(٣) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب ٢٠. ومسلم في كتاب الأقضية باب ١٧، ١٨.