للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الحرف - أي لما - ينفي به ما قرب وجوده وانتظر وجوده ولم يوجد بعد. . . فلما قالوا: (آمنا) قيل (لم تؤمنوا) بعد بل الإيمان مرجو منتظر منكم. . فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم أنهم لما يدخل الإيمان في قلوبهم ومع ذلك قيل لهم: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} (١).

فلو لم يكونوا في هذه الحال مثابين على طاعة الله ورسوله لكان خلاف مدلول الخطاب. والإثابة على الطاعة تدل على وجود إيمان تصح به الطاعة ثم بين سبحانه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (٢) وهذا نعت محقق الإيمان لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (٣) الآية، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (٤)» وأمثال ذلك، فدل البيان على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب: هو هذا الإيمان الذي نفي عن فساق أهل القبلة الذين لا يخلدون في النار بل قد يكون مع أحدهم مثقال ذرة من إيمان، ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد صاحبه في النار (٥).

وعلى ذلك فالإيمان المنفي عن الزاني إنما هو الإيمان الكامل (٦). ونفي هذا الإيمان لا يقتضي ثبوت الكفر الذي يخلد في النار. ومما يؤكد ذلك ما ورد في الصحيحين عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) سورة الحجرات الآية ١٤
(٢) سورة الحجرات الآية ١٥
(٣) سورة الأنفال الآية ٢
(٤) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بالمعاصي. وانظر صحيح مسلم بشرح النووي جـ ٢ صـ ٤١.
(٥) الفتاوى جـ ٧ صـ ٤٧٦، ٤٧٨ بتصرف.
(٦) انظر: قواعد العقائد للغزالي صـ ٢٥٩. وشرح صحيح مسلم للنووي جـ ٢ صـ ٤١.