للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وترجمة القرآن إلى لغة أخرى تذهب بإعجازه ويصبح شأنه شأن أي كتاب عادي مهما حوى من أحكام وفضائل وشرائع، فهو في النهاية يمكن مجاراته.

وقد تحدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرب قاطبة - وهم أهل البلاغة والبيان - أن يأتوا بسورة من مثله، وليس من الضروري أن يأتوا بمعاني القرآن نفسها وإنما في مثل القرآن، لأن التحدي لم يكن فيما يحويه القرآن من أحكام وشرائع، ولكن لما يحويه من نظم بديع وتركيب بليغ، فإن أتوا بمثل نظمه من غير أن يكون صدقا فقد أفلحوا وأظهروا حجتهم.

والترجمة تذهب بهذا النظم البديع، وتفسد ذلك التركيب البليغ الذي تتميز به لغة القرآن، ولنضرب لذلك مثلا:

قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} (١) نجد الترجمة الفارسية نقلته بلفظه فتقول: " بس ما بركوش تاجند سالي برده بيهوشي زديم " أي فضربنا على آذانهم ستار الغفلة عدة سنوات، وهذا غير مفهوم للمنقول إليه، إذ لا يفهم المقصود من الآية.

فالتصوير الذي نراه في الآية ويتمثل في الضرب على الآذان لا تستطيع الترجمة الحرفية أن تؤديه أو تفي به إلا بعد أن تفسد الصورة، وتشوه ملامحها.

ومثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (٢) فالمعنى الحرفي لقوله {لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (٣) سقطوا سامعين


(١) سورة الكهف الآية ١١
(٢) سورة الفرقان الآية ٧٣
(٣) سورة الفرقان الآية ٧٣