للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدقيقة صيغة من الصيغتين الأخيرتين، فقولنا: (سكب الطفل الماء) يقال لمن يهمه أن يعرف من الذي سكب الماء، وقولنا: (سكب الماء) يقال كذلك لمن يقصد التعرف على الفاعل، لكنا نخبر عن ذلك الطريق إما بجهلنا بمن وقع منه الفعل، أو بعدم إرادتنا ذكره. أما حين نقول: (انسكب الماء) فإننا نوجه الحديث لمن يتوقع انسكاب الماء وينتظره، ولا يهمه أن يعرف ساكبه ولا عدم معرفته، ولا شك في أن الفارق كبير بين هذا وذاك، وهذا الفارق الكبير يعين اللغة على الدقة في استيفاء وجوه الدلالة، حتى يتمكن بها من ملاحظة مقتضى الحال.

حقيقة توجد في اللغة الفارسية بضعة أفعال تسمى الأفعال ذوات الوجهين، أي التي تكون لازمة أو متعدية حسب سياق الجملة دون أن يتغير تركيبها مثل فعل: شكستن، يختن، سوختن، كشودن، افروختن.

وهذه الأفعال قريبة في استخدامها من صيغة الفعل المطاوع في العربية، ولكنها قليلة من ناحية ولا تؤدي الغرض من الفعل المطاوع من ناحية أخرى وسنرى ذلك في بيان الترجمة الفارسية لمعاني القرآن الكريم في النموذج التالي.

وهذه إحدى مميزات اللغة العربية في بنائها عن غيرها من اللغات. وإذا نحن تأملنا آيات القرآن الكريم من هذا المنطلق وجدناه قد جمع بين هذه الصيغ الثلاث في بنائه التعبيري، ولأن الذي يعنينا - هنا - هو أن نقف على استيعاب البيان القرآني لكل ما يميز اللغة العربية عن غيرها من اللغات في البناء التركيبي، لا أرى ما يدعونا لأن نطيل بذكر نماذج قرآنية لصيغة المبني للمعلوم والمبني للمجهول، فهذا واضح لا يحتاج برهانا، إنما الذي يحتاج البيان هو الصيغة الثالثة (صيغة الفعل المطاوع)، وهذه الصيغة في القرآن لا تقصد لذاتها، وإنما شأنها شأن كل الصيغ تأتي حين يتطلبها الموقف مؤدية