للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المقريزي: يعتبر الشيخ تقي الدين المقريزي أكثر المؤرخين والفقهاء حماسة لفكرة ثبات قيمة النقد، وقد بحث في كتابه: (شذور العقود في ذكر النقود) (١)، و (إغاثة الأمة في كشف الغمة) آراءه في هذا الموضوع.

يؤكد المقريزي في كتابيه المذكورين وفي خططه ضرورة الاعتماد على الذهب والفضة كنقد متداول ولا يلجأ إلى ضرب الفلوس النحاسية وغيرها إلا بمقدار حاجة الناس إلى شراء التافه من السلع القليلة الثمن ويؤكد أن النقود في مصر منذ أقدم العصور هي الذهب مستدلا بالحديث النبوي: «ومنعت مصر أردبها ودينارها (٢)» ويرى أن سبب الأزمة المالية والخراب والظلم الذي حل بمصر هو الإكثار من إصدار الفلوس النحاسية واكتناز النقدين لاستعمالهما في الترف والزينة ولا يمكن إزاحة هذا الظلم إلا بالعودة إلى (٣) استخدام الذهب والفضة وضبطهما عن الغش، وإصدارهما من الحاكم، والمحافظة على قيمتهما، وفي مجال التحكم في إصدارهما يتحدث المقريزي عن أثر الإصدار بلا حاجة في بلبلة توزيع الثروة والدخول واضطراب أسعار السلع نتيجة للتضخم النقدي وهو أمر ممنوع شرعا.

ابن عابدين: دعا ابن عابدين إلى وجوب ثبات قيمة النقد، ومع ذلك فإن أبحاثه الفقهية انصبت على تغير قيمتها ارتفاعا وانخفاضا وما يترتب على ذلك من أمور كما سنراه في الصفحات القادمة.

وخلاصة الأمر أننا يمكننا رد قول الفقهاء بوجوب ثبات قيمة النقد إلى أمر شرعي وهو خشية الوقوع في الربا، بالإضافة إلى أن الذهب والفضة يتمتعان باستقرار نسبي في أسعارهما وهو صدى قولهم بأن النقدية صفة


(١) طبع الكتاب ضمن كتاب (النقود) الذي جمعه الأب انستاس الكرمللي.
(٢) أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد في المسند، ويحيى بن آدم في الخراج.
(٣) النقود العربية وعلم النميات للكرملي، ورسالة السيوطي (قطع المجادلة عند تغيير المعاملة).