للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه وسلم قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا (١)» وثبت «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الجلوس على القبور (٢)»، إلى غير ذلك مما يدل على عصمة دم المسلم ووجوب تكريمه حيا أو ميتا حتى صار ذلك معلوما من الدين بالضرورة، فأغنى عن الاستدلال عليه.

ويلتحق بالمسلم في عصمة دمه وحرمته في الجملة من كان معاهدا، سواء كان عهده عن صلح أو أمان أو اتفاق على جزية، فلا يحل دمه ولا إيذاؤه ما دام في عهده، ولا تحل إهانته بعد وفاته؛ لعموم قوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (٣) {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (٤).

وقوله {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (٥) ولما ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة (٦)»

وقال: «من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما (٧)» وما ثبت في حديث علي رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (٨)».

وما رواه أبو داود في سننه عن سليم بن عامر - رجل من حمير - أنه كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا هو عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء (٩)» فرجع معاوية. بل جاء الإسلام بحقن دماء أولاد الكفار المحاربين ونسائهم، وتحريم التمثيل بقتلاهم في الجملة عدلا منه ورحمة، كما هو معروف في حديث بريدة بن الحصيب وغيره في ذلك، وفي سند أبي داود وغيره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا (١٠)».


(١) سنن أبو داود الجنائز (٣٢٠٧)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦١٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٠٥).
(٢) صحيح مسلم الجنائز (٩٧٠)، سنن النسائي الجنائز (٢٠٢٨)، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٢٥).
(٣) سورة النحل الآية ٩١
(٤) سورة النحل الآية ٩٢
(٥) سورة الإسراء الآية ٣٤
(٦) كتاب الجهاد من سنن أبي داود.
(٧) باب إثم من قتل ذميا ج١٢ من صحيح البخاري بشرح فتح الباري.
(٨) سنن النسائي القسامة (٤٧٣٤)، سنن أبو داود كتاب الديات (٤٥٣٠)، سنن ابن ماجه الديات (٢٦٥٨)، سنن الدارمي الديات (٢٣٥٦).
(٩) سنن الترمذي السير (١٥٨٠)، سنن أبو داود الجهاد (٢٧٥٩)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١١٣).
(١٠) سنن أبو داود الجنائز (٣٢٠٧)، سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (١٦١٦)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٠٥).